سطام بن عبدالله آل سعد
تعد فعاليات موسم الرياض جزءاً من التحول الحضاري الذي يتجاوز حدود الترفيه التقليدي، حيث أصبحت البنية التحتية المرتبطة بهذا الموسم مكونًا أساسيًا ضمن رؤية 2030 واستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحسين جودة الحياة وتعزيز قطاع الترفيه في المملكة.
وبفضل الاستثمارات الكبيرة في المسارح، والملاعب، والحدائق، والمراكز التجارية، يبرز تساؤل حول مستقبل هذه المنشآت بعد انتهاء الموسم: هل ستظل تلعب دورًا في خدمة المجتمع ودعم الاقتصاد المحلي، أم ستصبح منشآت غير مستغلة؟
تسعى المملكة إلى استثمار البنية التحتية لموسم الرياض كعامل جذب للاستثمارات المحلية والأجنبية، مما يمهد الطريق لتحويل هذا الموسم من حدث موسمي إلى ركيزة استراتيجية لتطوير صناعة الترفيه في السعودية، وترسيخ مكانتها كمركز ثقافي وترفيهي على مدار العام. ويمكن في هذا السياق الاستفادة من تجربة مهرجان إدنبرة للفنون في اسكتلندا، حيث ساهم المهرجان في تحويل مدينة إدنبرة إلى وجهة ثقافية عالمية بارزة، من خلال استثمارات استراتيجية في البنية التحتية وتنظيم فعاليات مستمرة تجذب الزوار طوال العام.
لقد أسهم موسم الرياض في خلق فرص عمل واسعة، خاصة في قطاعات السياحة، والضيافة، والنقل، والخدمات اللوجستية، ما أتاح فرصاً وظيفية مؤقتة للشباب السعودي. ولضمان استمرارية هذه الفرص وتحويلها إلى وظائف دائمة، يتطلب الأمر تركيزاً على تدريب وتأهيل الكوادر المحلية، ليصبح قطاع الترفيه صناعة حقيقية ومستدامة قادرة على استيعاب الأيدي العاملة الوطنية بشكل دائم. هذا التوجه يدعم النمو الاقتصادي المستدام ويقلل الاعتماد على العمالة الأجنبية المؤقتة، وبالتالي يساهم ذلك في تحسين التنمية الشاملة للمملكة.
ومع تدفق ملايين الزوار إلى الفعاليات، شهدت القطاعات المرتبطة بالتجارة، والفنادق، والمطاعم نموًا ملحوظًا، ما يعكس تأثير موسم الرياض على الاقتصاد المحلي. ولكن السؤال الأساسي هو: هل نستطيع الحفاظ على هذا الزخم الاقتصادي بعد نهاية الموسم؟ على سبيل المثال، قدمت مدينة ريو دي جانيرو نموذجًا ناجحًا من خلال استثمار كرنفالها السنوي وتطوير برامج تدريبية في مجالات السياحة والضيافة، مما حوّل الكرنفال إلى عنصر أساسي في اقتصاد المدينة، وجعلها وجهة سياحية دائمة بدلاً من أن يبقى الكرنفال مجرد حدث موسمي مؤقت.
بالإمكان تحقيق استمرارية النشاط السياحي من خلال بناء قاعدة جماهيرية تستقطب زواراً محليين ودوليين على مدار العام، وليس فقط خلال موسم الرياض. ولتعزيز هذا الاهتمام، يمكن تقديم عروض وفعاليات متنوعة تلبي اهتمامات ثقافية ورياضية وفنية متعددة، لتزيد من ارتباط الزوار المستدام بالمملكة. وقد نجحت مدينة أوستن في تكساس في تحقيق هذا الهدف عبر مهرجان «ساوث باي ساوث ويست»، حيث جذب المهرجان اهتماماً عالمياً من خلال فعاليات فنية وتقنية مستمرة طوال العام، الامر الذي جعل المدينة مركزاً دائماً للإبداع ووجهة متجددة لرواد الأعمال والمبتكرين.
في هذا الصدد، يُشكل موسم الرياض قاعدة انطلاق لبناء بنية سياحية دائمة، إذ يُمكن من خلاله دعم الفعاليات مختلفة المواسم وتحويل المملكة إلى وجهة سياحية مستدامة على مدار العام.
هذا النهج يدعم السياحة كقطاع رئيسي، ويساهم في تنمية الاقتصاد الوطني وتوطيد مكانة المملكة على الخارطة السياحية العالمية.
** **
- مستشار التنمية المستدامة