د. محمد بن أحمد غروي
يهتم الأطفال والكبار بالقراءة في منطقة جنوب شرق آسيا، فمعدل القراءة ضمن الأعلى عالمياً، وقد سجلت سنغافورة على سبيل المثال أعلى معدل للقراءة بين دول آسيان العشر، بواقع 6.72 كتاباً يقرأه الشخص في 155 ساعة سنوياً، فيما ذكرت دراسة في ماليزيا أن النسبة الأكبر من الطلاب يقضون حوالي ثلاث ساعات ونصف يومياً في القراءة، وبالمقابل، أشارت اليونسكو في تقرير لها بأن معدل قراءة الأطفال في العالم العربي خارج المنهج الدراسي 6 % في السنة، حيث يقرأ كل 20 طفلًا عربيًّا كتابًا واحدًا.
من المعلوم أن القراءة هي جسر يربط الحاضر بالماضي ووعاء المعرفة وهي من الأهمية للأطفال بحسب منظمة اليونيسيف حيث تعتبر قراءة الكتب للأطفال أداة قوية لتعزيز نمو دماغ الطفل الصغير، وخاصة مهاراته اللغوية المهمة للغاية. وتضيف الكتب والقصص التي يقرأها الأطفال أيضًا كلمات جديدة إلى مفرداتهم، وتساعدهم على تطوير وممارسة فهمها، وتضع الأساس لها لفهم مفهوم القراءة.
وتساعد القراءة الأطفال على التنمية المعرفية، إذ تعزز النمو المعرفي من خلال تحفيز الدماغ وتعزيز مهارات التفكير النقدي. وتشجع الأطفال على إيجاد روابط بين القصة وتجاربهم الخاصة، مما يعزز فهمهم للعالم.
كما أن تنمية عادة حب القراءة للأطفال تسهم بشكل مباشر في تعزيز التركيز والانتباه الذي - قل في زمننا هذا مع استخدام الهواتف والأجهزة اللوحية ووسائل التواصل - كما ترفع من مستوى التحمل المعرفي، وهي ضرورية للنجاح الأكاديمي المستقبلي، ويمكن نقلها مع المعارف التي تم اكتسابها من خلال القراءة عن جوانب مختلفة من الحياة، كما تعمل القراءة على تكوين الوعي الثقافي للأطفال، حيث تعرض الكتب للأطفال ثقافات ووجهات نظر وتجارب مختلفة، وتعزز التعاطف وتقدير التنوع. وهذا مهم لتنمية الذكاء الاجتماعي والعاطفي.
في اعتقادي أن المدارس السعودية بالخارج نموذج مهم للتمازج الثقافي، فهي أشبه بمنارة معرفية متعددة الجنسيات ينهل منها القاصي والداني وهي حجر أساس للتعريف بالمملكة في الخارج وتسهم في تعزيز صورتنا الذهنية دولياً.
كما تنهل منها عشرات الجنسيات من معين العلم الأصيل من خلال مناهجنا الوسطية، بالمقابل يكتسب الطلاب السعوديون والعرب من هذا التمازج الثقافي واللغوي ليكونوا أكثر انفتاحاً وتقبلاً للآخر، والاستفادة من عادات وثقافة الآسيويين، وهذا ما حصل بالفعل، ففوز الأخوين العربيين محمد وأحمد عبد الرقيب الكوكباني من المدارس السعودية في كوالالمبور لعامين متتالين في مسابقة تحدي القراءة التي أطلقها سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والتي شجعت الطلاب وشارك فيها أكثر من مليون طالب قرأوا أكثر من خمسين مليون كتاب، هو نتاج حقيقي للانتفاع المعرفي والثقافي من خلال مدارسنا في الخارج التي يشار إليها بالبنان في جنوب شرق آسيا وخرجت آلاف الطلاب من جنسيات مختلفة، ولا زالوا يكنون الفضل لمن علمهم قراءة أول سطر رسم مستقبلهم المهني.