عبدالوهاب الفايز
ربما لن يهمنا كثيراً الاهتمام بمن يفوز اليوم بالانتخابات الأمريكية، فأغلب الشعوب في العالم لا يعنيها من يفوز بالبيت الأبيض، فهي مشغولة بحياتها، وتدبير معيشتها، وهذا ينطبق على الشعب الأمريكي، فالغالبية العظمى منهم مهموم ومشغول بالمصاعب الرئيسية على مستوى المعيشة والتفاعل اليومي، بالإضافة إلى أن الغالبية لم تعد تثق بالعملية السياسية ولا بالحزبين، ولا بالنخبة السياسية التي تدير الأمور حسب رغباتها ومصالحها مع كبار الممولين والداعمين.
إذا فازت كمالا هارس فلن يكون هناك أمر جديد، فما سار عليه الرئيس بايدن سوف يستمر مع بعض التعديلات. أما إذا فاز ترامب، فإن المشهد السياسي المحلي الأمريكي والدولي مرشح لمتغيرات كثيرة، فالرئيس ترامب لديه ثلاث قضايا محورية رئيسية، أولها إيقاف الهجرة وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، والثاني خفض الضرائب على الشركات، والأمر الثالث الرئيسي الذي يهمنا: إنهاء الحروب.
ويبقى السؤال الأهم: هل يستطيع الرئيس الأمريكي إنهاء الحروب؟
يصعب التفاؤل بقدرة أي رئيس أمريكي أن يُحدث التدخل الاستراتيجي الذي يُنهي صراعات الشرق الأوسط. فالتحديات الداخلية التي تواجه أمريكا كبيرة ومتعددة، وسوف تترك أثرها السلبي على صنع السياسة الداخلية والخارجية. الأسبوع الماضي قلنا إننا نتمنى رؤية أمريكا بلداً مستقراً، فأمريكا ما زالت القوة العظمى التي لديها نصف ميزانية التسلح في العالم، ولديها الكثير الذي تقدمه في العلوم والصحة والتعليم وكل ما فيه خير للإنسانية، ويسعدنا أن يتمكن من يفوز في البيت الأبيض من مواجهة التحديات الكبرى التي يعيشها ويواجهها المجتمع الأمريكي.
في مقدمة هذه التحديات، حالة التحول الكبرى التي يمر بها المجتمع، وهي مرحلة التحول من الديمقراطية القائمة على الأغلبية البيضاء إلى الديمقراطية القائمة على أغلبية غير متجانسة، وهي خليط من الأعراق والثقافات والأديان، وهذه تشكل تحدياً رئيساً للمجتمع الأمريكي.
والدين العام الذي يتجاوز 35 ترليون دولار يوضع بين التحديات الرئيسية، وفي السنة المالية الحالية بلغ إجمالي صافي مدفوعات الفائدة 514 مليار دولار، متجاوزة نفقات الدفاع بمقدار 20 مليار دولار، وهو اتجاه سوف يستمر. والمؤرخون يرون أن هذا مؤشر يؤكد دخول أمريكا مسار التراجع غير المريح والمقلق.
أيضاً الرئيس سوف يواجه تحديات الحرب الثقافية بين المجموعات العرقية المختلفة، بالذات بعد أن أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة النزال التي يصعب السيطرة عليها. أيضاً أمريكا تواجه تحديات الأمراض المزمنة، وكذلك تحديات تداعي ومشاكل البنية الأساسية، وأيضاً فجوة الفقر والغناء المتنامية. كذلك هناك تحدي النخبة السياسية المنغلقة التي لم تعد تحظى بالثقة الكبرى من الشعب الأمريكي. عليه أيضاً أن يواجه الإحباط والإحساس بفقدان الأمل بالمستقبل لدى الشباب.
أمريكا تواجه نزعة العنف السياسي المتصاعدة، وقد جرت محاولتين لاغتيال الرئيس ترامب، وفوق هذا هناك الشعبوية السياسية المتطرفة. أيضاً أمريكا تواجه مشكلة الظهور العلني البارز للمال السياسي، وهذا الأخير يهمنا بشكل كبير في الشرق الأوسط، فقد أصبحت أمريكا ترهن مواقفها وتحركات السياسية في المنطقة بما تقرره جماعة الضغط اليهودية، ايباك، التي تقوم بدور رئيس في رسم سياسات أمريكا في الشرق الاوسط بناء على المصالح الخاصة بإسرائيل أولاً ثم أمريكا. وهذا انقلاب كبير في الموقف السياسي الأمريكي الذي ظل يراعي مصالحه مع الأصدقاء في المنطقة، ويستطيع إيقاف قادة الكيان الاستيطاني اليهودي عند الخطوط الحمراء للمصالح الأمريكية والغربية.
الآن السياسة الأمريكية الحالية أصبحت خاضعة لضغوط الجمعات اليهودية بشكل مباشر ومكشوف، مما يجعل سياسات إسرائيل مستفزّة للمشاعر السلبية في المنطقة.
من قراءة ومتابعة البرنامج الانتخابي للمرشحين، ما يقوله ترامب ربما هو الأهم بالنسبة لنا في المنطقة. ترامب لديه قناعة بأن أمريكا تورطت بحروب خارجية في العشرين عاماً الماضية كلفتها 11 تريليون دولار، كما ذكر في حوار موسع الأسبوع الماضي، وهذه الحروب نتج عنها ملايين الضحايا والمشردين من الشعوب في الشرق الأوسط ومن الشعب الأمريكي.
ونحن معه في هذا المسعى، نتمنى ونتطلع إلى نهاية الحروب والصراعات بأنواعها في الشرق الأوسط الذي أصبح مسرح العمليات والحروب لعدة عقود، وأغلب هذه الحروب هي ثمرة التدخلات الأمريكية الغربية الخاطئة التي لم تراع ظروف وأوضاع المنطقة، فأكبر وأسوأ خطأ ارتكبته أمريكا هو احتلال العراق وما نتج عنه.
إن عدم استقرار المنطقة يشكل خطراً وجودياً علينا، فهو يعرّض واقع ومستقبل الشعوب إلى المشاكل الكبرى، ويجعل منطقتها ساحة للصراع بين القوى والتكتلات المتنافسة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. واستقرار المنطقة له أثره الإيجابي الممتد للاقتصاد العالمي ولمصالح جميع الشعوب.
المنطقة هي المصدر الرئيس لإمدادات الطاقة، وهناك مليونان من البشر الذين يعانون من نقص مقومات الحياة. لذا، إمدادات الطاقة واستقرار الأسعار يؤثر إيجابياً على حياتهم، ولهذا السبب الإنساني النبيل تعمل المملكة في إطار صناعة الطاقة العالمية لتحقيق هذا الهدف أي استقرار الإمدادات والأسعار.
ولا ننسى أن المنطقة تقع في قلب العالم، ففيها ممرات التجارة العالمية، والآن نرى كيف أدى عدم الاستقرار إلى تأثر الملاحة في البحر الأحمر وارتفاع تكاليف التجارة العالمية، ومصر فقدت إيرادات مالية كبيرة بسبب تراجع الملاحة في قناة السويس.
إن عدم الاستقرار مضر بالمنطقة وبالعالم، وهذا الذي يجعلنا دوماً نتطلع إلى مبادرة أمريكا لتصحيح أخطائها السياسية الكارثية التي ارتكبتها بإقرار واعتراف قياداتها وسياسييها، ومفكريها. وأبرز أخطائها احتلال العراق وتشجيع وتسهيل مشروع الطائفية السياسية، فهذا هو مُفرق الجماعات ومُخرب البلدان.
في العراق أمريكا وبقوة الاحتلال كرّست الطائفية والانقسامات المحلية عبر تهيئة الأجواء السياسية لكتابة الدستور بشكل مستعجل ساهم في إعداده النخبة السياسية وبمشاركة محدودة من المختصين، والآن هناك مطالبات واسعة في العراق بتعديل وتصحيح المشاكل بالدستور حتى يصل العراق إلى وحدو شعبية تقوم على المواطنة وليس على الأسس الطائفية والعشائرية والقومية. وما جرى في العراق كان له سابقة في لبنان، فالدستور اللبناني بُني على أسس طائفية، وليس على أسس المواطنة الخالصة، وهو الذي تسبب بالكوارث للشعب اللبناني!
لعل الرئيس الجديد يستطيع أن يضع ثقل ومكانة أمريكا في العالم ودورها المهيمن في المؤسسات الدولية لأجل تحقيق الاستقرار لمنطقتنا التي تهددها الحروب والصراعات.