محمد نديم أنجم بيديا
لقد أتى على الإنسان حين من الدهر يتوهم فيه أن أرضه مركز الأكوان ومحور العوالم، ولم تكن عندهم النجوم والسيارات الكوكبية من فوقها غير مصابيح الأنوار المعلقة على جدران العنان، وذلك بأننا لم ننطلق من النقطة الصحيحة في التبصر في مدى ترامي أطراف الكون ورحابة أحجامه بحيث ننتهي إلى أن الأرض التي في مهدها استوطنت الحضارات الإنسانية برمتها لم تكن سوى حبة رمل في فلاة الأفلاك العلوية.
وما إن تمددت جذور علومنا عن الكون إلا أحسسنا بحقارتنا وهواننا قياساً برحاب الكون السماوي، إذ توصلنا إلى أن الشمس التي حسبناها في غابر الأزمان منارة واحدة من نوعها في عنان السماء ليست إلا كرة نجمية من بين مليارات النجوم والكواكب والكويكبات والنيازك التي تتركب بها مجرات على مجرات، تتخللها حقول مغناطيسية مروعة وتبلغ أعدادها قرابة عشرات التريليونات من المجرات العملاقة، وتحكي كل ما فيها من السدم الحلزونية وممرات الغبار الكوني ملاحم سماوية لا تنتهي بكل ما في القاموس الكوني من الكلمات السحرية.
مما يعري الإنسان من غطاء أوهامه ويعرّفه ضآلة قيمته في مقابل المخلوقات السماوية هذا الوعي المتنامي بأسرار الكون. وتذكره هذه الرؤية الكونية على الدوام بأنه من الذين لم تكن يوما من شأنهم السيادة بدافع الشموخ على المستوطنات السكنية والتباهي بالغرور والعنجهية. ولم تعد الأرض التي كانت ذات يوم قمةَ هذا الخلق إلا هباءً منثوراً في سنفونية الكائنات الجوية. ونحن القاطنين في أدنى الكرات الجوية هذه، المدعين اننا كوننا أشرف المخلوقات لا نتمثل إلا في ذرة غبار تسري على كتلة الأرض وهي مثلنا ذرة غبار في جنب تلك المشاهد الباهرة من عوالم المخلوقات السماوية.
وعما إذا كانت هذه المواد الماثلة للعيان التي تحضن هذه النجوم الشامخة والكواكب السيارة والمجرات المتطايرة الجبارة تصنع صفحة هذا الفضاء الكوني قاطبة أم لا، فأقول إن هذه المواد لا تمثل غير شريحة ضئيلة بنسبة 5 % من إجمالي طاقة وكتلة الكون. أما البقية الباقية فتتجسد في المادة المظلمة والطاقة المظلمة اللتين ظلت طبيعتهما وطوابعهما ألغازا تفوق المدارك الخمسة ولا تتقبلها العقول الإنسانية، مما يترتب على قوة سرية ترصع البنى التحتية السماوية بكل ما تعجز عن استجلائه الحواس العقلية وتخفق في استيعابه القوى الحسية.
ولم نكد تخلصنا عن طبقات الجهل حتى تنصّلنا مما أغشى بصائرنا من غشاوة الحمق والتيه، حيث أدركنا أن الإنسان هو أحقر من أن يشمخ بأنفه كبراً وتيهاً، مهما نمت مراتبه أو علت خساسته، لدى هذا الكون الواسع في حين إنه مجرد نسمة في مهب الأزل والأبدية، لا تكاد تدوي في جنبات القاعات الفلكية، حيث إن الجلال هو وحده لله الواحد القهار الذي بيده ملكوت السماء والأرض، وبعلمه مفاتيح الغيوب والأسرار والذي يتلاشى بميداءه كل شعور بالكبرياء والعظمة هباءً منبثاً.
** **
- طالب السنة الثالثة لبكالوريوس قسم اللغة العربية وآدابها - الجامعة العالية - كولكتا، الهند