سلمان بن محمد العُمري
إذا كانت صنائع المعروف تقي مصارع السوء، فإن أذية الناس وظلمهم وضيمهم وأخذ حقهم والتعدي عليهم قولاً وفعلاً مآلها العذاب والعقاب طال الزمن لصاحبها أو قصر، والله سبحانه وتعالى ناصر للمظلوم وآخذ بحقه ممن اعتدى عليه وظلمه.
ويؤكد الأخ عبدالمجيد العُمري هذا القول في تغريدة جميلة تستحق القراءة والتوقف عندها فيقول: «مما رأيت وسمعت وقرأت أن جميع الوشاة قد يحققون نصراً وهمياً مؤقتاً، ولكن الله سبحانه يُمهِلُ ولا يُهْمِل، فيُعزُ الله المظلوم وينصرهُ، ويعلي شأنه، وكل ما هو في ظاهره شر يتحول إلى خير لهُ بفضل الله عز وجل، ويرد كيد الواشي عليه، فعلى الباغي تدور الدوائر، ويجعلُ الله العاقبة للمتقين».
والظلم كما هو معلوم متعدد في جنسه ونوعه وفي تأثيره، وحديثنا عن ظلم الانسان لغيره قولاً أو عملاً، وقد يتساهل فيه كثير من الناس، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»؛ فهناك الكذب والبهتان، والغيبة والوشاية، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه - : (ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).
وتكون الغاية من الظلم باللسان لأسباب عديدة فمنها عدم المبالاة ولمجرد إضحاك الناس بسخرية أو استهزاء ولو كذباً، وقد يكون غيبة ووشاية بقصد التزلف أو التكسب واستنقاص الآخرين بقصد إيذائهم أو حرمانهم من حقوقهم، وهذه مظلمة كبيرة وضررها لا يتوقف على من وقعت فيه بل ربما يتأثر بذلك أهله وذووه حينما يقع السوء عليه، وما من واشٍ أو مغتاب أو باهت للناس إلا ويسلط الله عليه بذنبه ويرد كيده في نحره، ويجعل دائرة السوء عليه، وينصر الله المظلوم ويعزه ويعلي شأنه ثم يذيق الظالم حسرة وندامة بمصيبة يوقعها الله عليه، وعلى أعز ما عنده من مال وولد أو صحته وبدنه، وستبقى آثار هذه المظلمة إلى يوم المعاد ما لم يتحلل من صاحبه في حياته وقبل مماته، والشواهد على آثار الظلم وعاقبته كثيرة، ولو دونت قصص الأولين والمتأخرين لما وسعتها مجلدات، والله سبحانه وتعالى يعز من يشاء ويذل من يشاء وينزع الملك ممن يشاء.
كتب أحد الظلمة بوشاية في زميله المعلم وهم في مهمة خارجية مما تسبب في سجنه ظلماً وفصل من عمله وحرم من الوظيفة لاحقاً؛ فسلك طريق التجارة حتى أصبح من كبار التجار ويشار إليه بالبنان، وأما الواشي الكاذب فقد ساق الله إليه المصائب والنوائب وعاش طيلة حياته فقيراً ذليلاً، وذاق هذا المر لخمسين عاماً ثم جاء معتذراً بعد أن رأى عقوبة الله فيه وصاحبه لم يكن يعلم أنه الواشي، فسبحان من نصر المظلوم وانتقم من الظالم.
ورجل آخر عطف على موظف بسيط وتبناه وساعده في وظيفته، وكان يقدم له من الزكاة، ويكلم له الموسرين عن حاجته وحاجة أسرته ولم يقصر معه، ولكن هذا المعروف قوبل بالإساءة والتنكر، وكان هذا الموظف يسيء لمديره عند المسؤولين ويقوله ما لم يقل، ويتهمه بما ليس فيه دناءة وخسة بالتعاون مع موظفين آخرين، وحين توفي هذا الواشي بحادث سيارة شنيع جاء زملاؤه الذين كانوا معه يطلبون من مديره السابق أن يحلله بما اقترفه ضده من وشاية واتهام وشهادة زور تسببت في إبعاد مديره عن العمل الذي أعزه الله بعمل أكبر مما كان عليه، لقد ذهب المدير إلى وظيفة أخرى ذات جاه ومنصب ومكانة، وانتهى المقام بهذا الواشي ومن معه إلى تخبط في حياتهم ومنهم من لايزال مديرهم يجود عليهم بإحسانه، والله المستعان، وعلى الباغي تدور الدوائر.