د. محمد بن إبراهيم الملحم
أخيرا وفي أثناء بحثي عن موضوع معين اطلعت على دراسة أجراها مشكورا مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني (وحاليا اسمه مركز التواصل الحضاري) وذلك عام 2006 أي قبل 18 سنة تقريبا وربما لا يكون مناسبا للاستشهاد بدراسة مضت عليها كل هذه المدة ولكني أريد أن استعرض من خلال هذه الدراسة جانبا نادرا اهتممت به وهو ما يتعلق بمسألة الحوار بين المعلم والطالب تحديدا، وقبل استعراض نتائجها أوضح أن هذه الدراسة عنون لها بـ»قضايا التعليم العام من وجهة نظر المعلمين والطلاب وأولياء الأمور» ونفذتها وحدة الدراسات والبحوث في المركز من خلال 2000 استبانة وزعت عبر مناطق المملكة الثلاث عشرة وكانت فيها نسبة استجابات الطلاب 60 في المائة والطالبات 40 في المائة وكذلك نفس النسبة تقريبا للمعلمين والمعلمات وشكلت مدارس المرحلة الثانوية النسبة الأكبر وذلك لأن الدراسة استهدفت القادرين على التفاعل مع أسئلة الاستبانة بشكل دقيق أكثر، وهي تهدف إلى التعرف على رؤية المجتمع (الطالب، الطالبة، المعلم، المعلمة، ولي الأمر) إلى واقع التعليم العام.
مع أن الدراسة استهدفت عدة نقاط لكن كان من ضمنها الحوار بين الطالب والمعلم وكانت نتيجة هذا الجزء من الدراسة أن نحو نصف الطلاب والطالبات ذكروا أنه يسمح لهم بإبداء الرأي في بعض الأحيان فقط، وما يقارب ثلثهم أشاروا إلى أن المعلمين والمعلمات لا يسمحون لهم بإبداء الرأي أو تقبل الاختلاف معهم في وجهات النظر!، وهو مؤشر إلى ضعف في لغة الحوار فيما بينهم وأساتذتهم، ولا يفسر ذلك بضعف العلاقة بين المعلم والطالب لأن أغلب الطلاب أشاروا إلى أن علاقتهم بمعلميهم هي في المستوى من متوسط إلى قوي، وقلة قليلة (12 في المائة) ذكرت أنها علاقة ضعيفة، والجدير بالذكر أن إجابات المعلمين على هذا السؤال كانت برضا أغلبهم عن درجة الحوار التي بينهم وبين طلابهم وأنهم يرون أنهم يمنحونهم الفرصة لإبداء الرأي والاختلاف في وجهات النظر، وهو أمر لافت للنظر حيث إن التباعد بين تصورات الطلاب والمعلمين عن الحوار هو ذاته قضية أخرى تستوجب التوقف عندها.
وهذه النتائج تطرح سؤالا مهما على العاملين في التعليم: إلى أي درجة يرون هم توفر هذا الجانب بين الطالب والمعلم؟ وهل قاموا بقياسه، أو هل استفادوا من نتائج هذه الدراسة وقد أعدها مركز وطني مهم وله قيمته وليست دراسة أفراد هدفها الترقية أو الحصول على درجة علمية، وإذا كانت قد اطلعت على هذه الدراسة فما هي السبل والوسائل والأنشطة التي توافرت في التعليم لردم النقائص التي أظهرتها الدراسة؟ هذه التساؤلات جديرة بالاهتمام جدا لأنه في الوقت الذي نعيش فيه ضمن صراعات فكرية حولنا وهجمات إعلامية على وطننا فإن الطالب معرض للكثير من الحملات التي تستهدف تفكيره حول بلده ودينه. وما لم تكن هناك فرصة له لطرح ما يرد عليه من شبهات عند المعلمين والهيئة التعليمية في المدرسة، فإن هذا يقلل كثيرا من فرصة نجاته من تلويث فكره، ولن يبقى له إلا البيت، الذي أيضا لا نضمن أنه يوفر له الفرصة الكافية، سواء من حيث انشغال الأبوين أو من حيث مدى تمكنهم من المعرفة العلمية الكافية للإجابة على استفسارات الأبناء والبنات. فنحن في البيت أمام شخصين، أي عقلين اثنين فقط، هما مصدر المعرفة والخبرة للطلاب، بينما في المدرسة يوجد ما بين 20 إلى 30 معلما ومعلمة، أي 20 إلى 30 عقلا وخبرة يمكن للطالب أن يستفيد منها أو من أفضلها. فإذا لم يعرف أحدهم الإجابة، فإن الآخر ستكون لديه إجابة، أو إجابة أفضل، ولذلك فإن المدرسة محضن مهم لفكر الطالب ولتصوراته عن الحياة والوطن والمجتمع، وإذا لم تشجع المدرسة على أن يكون الطالب صريحا فيما يلح في ذهنه من شكوك، وتكون الأبواب والعقول مفتوحة فقد يقع في الإشكال ويحصل ما لا نتمناه لأبنائنا وبناتنا. إضافة إلى ذلك فإن سيادة التدريس بالتلقين يجب أن يكون لها حد وتنتقل مؤسساتنا التعليمية إلى صيغة النقاش والحوار حتى في الجوانب العلمية البحثية ويكون طرح السؤال هو أساس التعلم عند الطالب، وأقصد أن يطرح الطالب التساؤلات لا أن يستذكر الدرس ويحفظ المعلومات ليكون جاهزا لإجابة سؤال المعلم، وفرق كبير بين الصورتين في مظلة السؤال والجواب، كيف يمكن أن تقوم المؤسسة التعليمية بتأسيس ثقافة الحوار والنقاش الهادئ والتعلم القائم على التساؤلات وتفهم المعلم لدوره في استقبال وتلقي اعتراضات الطالب وإبداء وجهة نظره، سأتحدث في الحلقة القادمة عن تصور عملي لذلك بإذن الله.
** **
- مدير عام تعليم سابقا