د.إبراهيم عقلاء المشيطي
يعتبر الشغف قوة داخلية محركة تدفع الإنسان نحو الإبداع والابتكار، فهو طاقة متدفقة تجعل الفرد يتخطى الصعاب وتجاوز العقبات في سبيل تحقيق أهدافه وتطلعاته. عندما يمتلك الإنسان شغفاً حقيقياً تجاه مجال معين، فإنه يكرس وقته وجهده بكل حماس ودون ملل، مما يؤدي إلى تطوير مهاراته وقدراته بشكل مستمر. وكما قال الفيلسوف الألماني هيجل: «لا شيء عظيماً في العالم تم إنجازه دون شغف». الشغف هو ذلك الشعور العميق الذي يجعل الإنسان يستيقظ كل صباح متحمساً لمواصلة العمل على مشروعه أو فكرته. إنه الدافع الذي يجعل العلماء يقضون ساعات طويلة في مختبراتهم، والفنانين يسهرون الليالي في إستوديوهاتهم، والمخترعين يجربون مئات المرات حتى يصلوا إلى النتيجة المرجوة. وقد أشار عالم النفس ميهاي تشيكسنتميهايي إلى أن الشغف يخلق حالة من «التدفق»، حيث ينغمس الشخص كلياً في عمله، متجاوزاً حدود الوقت والتعب. هذه الحالة من الاندماج العميق تعد بيئة خصبة للإبداع والابتكار. الشغف ليس مجرد حماس عابر، بل هو التزام عميق وإصرار متواصل. فعندما يواجه الشخص الشغوف العقبات، لا يستسلم بسهولة، بل يرى في كل فشل فرصة للتعلّم والتطور. هذا الإصرار هو ما يقود إلى الاكتشافات العظيمة والابتكارات المهمة التي غيَّرت وجه العالم. ومن هذه الأمثلة التي سطَّرها التاريخ لدور الشغف في الابتكار, شغف توماس إديسون بالاختراع دفعه لإجراء آلاف التجارب قبل اختراع المصباح الكهربائي. وكما قال: «لم أفشل 1000 مرة، بل وجدت 1000 طريقة لا تعمل». يتميز الأشخاص الشغوفون بقدرتهم على رؤية الفرص حيث يرى الآخرون التحديات. فالشغف يمنحهم نظرة مختلفة للأمور، ويجعلهم يفكرون خارج الصندوق، ويبحثون عن حلول إبداعية للمشكلات التي تواجههم. هذه النظرة المختلفة هي ما يميز المبتكرين والمبدعين عن غيرهم. يرى الباحث النفسي روبرت ستيرنبرغ أن الشغف يعزِّز الإبداع من خلال ثلاثة جوانب رئيسية من خلال زيادة المرونة الفكرية, تعزيز القدرة على تحمل المخاطر وتقوية الدافع الذاتي للاستمرار رغم الفشل. يلعب الشغف دوراً محورياً في تحفيز الإبداع والابتكار. فعندما يكون الشخص شغوفاً بما يفعل، تتدفق الأفكار الإبداعية بشكل طبيعي وتلقائي. الشغف يفتح آفاقاً جديدة للتفكير ويحرر العقل من القيود التقليدية، مما يؤدي إلى ولادة أفكار مبتكرة وحلول إبداعية. وكما قال ألبرت أينشتاين: «لم أكن أمتلك أي موهبة خاصة،كنت فقط فضولياً بشغف». شغف أينشتاين في الفيزياء قاده للنظرية النسبية. ومن الأمثلة أيضاً شغف ستيف جوبز بالتصميم والتكنولوجيا أنتج ثورة في عالم الهواتف. الشغف هو الذي يحول العمل الشاق إلى متعة، والتحديات إلى فرص، والأحلام إلى ابتكارات تغيّر العالم. يرتبط الشغف ارتباطاً وثيقاً بالسعادة والرضا الذاتي. فالأشخاص الذين يعملون في مجالات يشعرون تجاهها بشغف حقيقي، غالباً ما يكونون أكثر سعادة وإنتاجية في حياتهم المهنية والشخصية. هذا الشعور بالرضا يعزِّز قدرتهم على الإبداع والابتكار. من المهم أن ندرك أن الشغف لا يأتي من فراغ، بل يحتاج إلى تنمية وتطوير مستمر. الاطلاع المستمر، والتعلّم الدائم، والانفتاح على التجارب الجديدة، كلها عوامل تساعد في تغذية الشغف وتعزيزه.
وفي الختام، عالمنا اليوم تتسارع فيه وتيرة التغيير والتطور، يصبح الشغف أكثر أهمية من أي وقت مضى. فهو الوقود الذي يدفع عجلة الابتكار والإبداع، ويمكّن الأفراد والمجتمعات من مواكبة التطورات المتسارعة والمساهمة في صنع المستقبل. يمكننا القول إن الشغف هو البوصلة التي توجه المبدعين والمبتكرين نحو تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم. فبدون هذا المحرك الخفي، قد تبقى الأفكار العظيمة حبيسة العقول، والابتكارات المهمة في طي النسيان. لذا، فإن تنمية الشغف ورعايته يعد استثماراً في مستقبل أكثر إبداعاً وابتكاراً.