د. سامي بن عبدالله الدبيخي
إنّ المواقع التاريخية ليست مجرد آثار قديمة وأطلالاً عبرت إلينا عبر القرون، بل هي جزء له أهميته لحاضر الأمة ومستقبلها. لهذا فإنّ المحافظة عليها وصيانتها هي صون للهوية الثقافية وتعزيز لها.
أما تفعيل الاستثمار فيها فهو دعم للاقتصاد المحلي وتنويع لدخل المدينة. وبناء عليه فإنّ الاهتمام بالمواقع التاريخية وتأهيلها يستدعي تضافر جهود الجميع من مؤسسات حكومية رسمية مع مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته؛ للعناية بهذه المواقع وتراثها والمحافظة عليها حية مزدهرة تتعاقبها الأجيال وتستنهض هممها لتستكشف جذورها الثقافية وانتماءها الحضاري.
من هنا فإنّ الاهتمام بالمواقع التاريخية هو اهتمام بالثقافة والتعليم والاقتصاد والتاريخ. أما الاستثمار فيها فهو استغلال لمورد اقتصادي يدر عوائد مجزية على المدينة ويوفر وظائف معتبرةً لأبنائها مما يجعلها ضرورةً ملحةً في عالمنا المعاصر.
بالإضافة لهذه الأهمية القصوى للمواقع التاريخية ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وسياحيًا فإنها تمثل أيضًا عنصرًا أساسيًا لهوية المجتمع والمدينة على السواء. فالأمة التي لا تعتني بمواقعها التاريخية تفقد جزءًا من ذاكرتها وتتخلى عن بعض جذورها الممتدة في التاريخ مما قد يعرض مكونات لُحمتها للضعف والتفكك. من هنا فإن العناية بهذه المواقع التاريخية والمحافظة عليها وتأهيلها هي ضرورة ثقافية واقتصادية وتعليمية وأخلاقية. فالمواقع التاريخية هي بمثابة همزة الوصل التي تربط أجيال الأمة بجذورهم التاريخية وانتمائهم الحضاري فتعزز تواصل الأجيال وتماسك المجتمعات ومعرفتهم بتاريخهم وتراثهم وتقوي شعورهم بهويتهم الثقافية وانتمائهم الحضاري.
إلا أنّ هذه المواقع التاريخية رغم أهميتها فإنها تتعرض لتحديات الزمن كظروف التغيرات المناخية وعوامل التلوث وتحديات التطوير والتمدد العمراني وتعديات البناء والإهمال بمختلف أشكاله مما يجعل هذه المواقع معرضة للضياع والاندثار. لهذا كان لزامًا على كل مدينة أن تضع استراتيجية شاملة للحفاظ والترميم والصيانة الدورية لتأهيل مواقعها التاريخية حماية لها من كل أنواع التدهور والاندثار حتى لا تفقد جزءًا من هويتها الثقافية، وهذا ما قامت به الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة.
وبجانب مواجهة التحديات توسعت الهيئة مع عدد من الجامعات لتشمل البحث العلمي وتطوير السياسات التي تدعم التوعية المجتمعية والاستثمار الاقتصادي والثقافي والسياحي لهذه المواقع الأثرية.
إنّ الحفاظ والصيانة الدورية للمواقع التاريخية يجعل من استغلال هذه المواقع كعناصر جذب سياحية أمرًا ممكنًا، مما ينعش اقتصاد المدينة ويضخ في ميزانيتها الكثير من الأموال من خلال جلب المستثمرين لاقتناص الفرص واستغلال هذه المقومات الثقافية في تطوير القطاع السياحي والاستثمار في السياحة الدينية والثقافية.
ولعل ما أنتجته المواقع التاريخية في العلا من فرص استثمارية بسبب عمليات الحفاظ وإعادة التأهيل أهم مثال على هذا النوع من استغلال الفرص الاقتصادية التي توفرها المواقع التاريخية والتراثية.
وعلاوةً على جدواها الاقتصادية وأهميتها الثقافية، فإنّ المواقع التاريخية تشكل متحفًا مفتوحًا مما يتيح فرصًا تعليمية وتوعوية للزوار والسياح من مختلف الأعمار وهو مما يعزز الانتماء الحضاري والهوية الثقافية ويعرِّف بتاريخ المنطقة والمجتمع. ويمكن تفعيل هذا الدور التثقيفي والتعليمي من خلال إقامة فعاليات تحفيزية كالمعارض وورش العمل وإلقاء المحاضرات والمهرجانات الثقافية.
ولتفعيل أهمية المواقع التاريخية وتعظيم فرصها الاستثمارية، فإنه من الأهمية بمكان تعزيز جاذبية هذه المواقع من خلال تطوير البنية التحتية حولها وتوفير الخدمات الضرورية لزيادة ارتيادها من الزوار والسياح مما يعني تكثيف الفرص الاقتصادية فيها وجلب الاستثمارات إليها وتفعيلها من خلال بناء الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ولا يمكن أن نغفل أهمية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والحملات الإعلانية لتسليط الضوء على القيمة الثقافية والتاريخية لهذه المواقع وجذب المزيد من الزوار والسياح من خلال وضع استراتيجيات تسويقية فعالة للترويج لهذه المواقع التاريخية.