خالد بن عبدالرحمن الذييب
لو كنت وسط البحر على متن رحلة بحرية سياحية، السماء صافية، البحر هادئ بزرقته الجذابة، الشمس مشرقة بإشعاعها الأصفر البراق، ما الذي سيفعله الناس؟
ستختلف التصرفات، هناك من سيتخذ مكاناً في أحد المقاهي، ويشرب فنجان قهوة ويتأمل، وهناك من سيصحب ذلك بقراءة كتاب، وهناك من سيذهب للنادي الرياضي، وبعضهم سيأخذ أبناءه ويلعب في المدينة المائية، وهناك، وهناك، وهناك، ستتعدد التوجهات والخيارات كل حسب رغبته، ولكن عندما تهب ريح عاصفة، وتتلاعب الأمواج بالسفينة، وتسقط الأمطار من أعالي السماء، وتصطدم الباخرة بشعب مرجانية وتبدأ الباخرة بالغرق ويتساقط ركابها في البحر، سيصبح طموح الجميع «قطعة خشبة»!.
تنطلق نظرية العالم الأمريكي ماسلو للاحتياجات الإنسانية والتي أطلقها في كتابه «التحفيز والشخصية» عام 1954م من أن الإنسان لديه هرم للاحتياجات الإنسانية تبدأ من أسفل الهرم إلى قمته بشكل تراتبي على خمس مراحل، بداية من الحاجات الفسيولوجية وانتهاء إلى الحاجة لتحقيق الذات مروراً بالحاجة للأمان، والحاجات الاجتماعية، والحاجة للتقدير.
اربط هذه النظرية بتخطيط المدينة، ولماذا تنجح بعض المدن في تحقيق أهدافها، وبعضها تفشل في ذلك، صحيح أن الأمر معقد لتشابك وتعارض المدخلات والمخرجات إلا أن ذلك يعود أساساً إلى فكرة تحديد الأولويات.
فبعض المدن تريد أن تقفز من المرحلة الأدنى إلى درجة أعلى لتصل إلى قمة الهرم قبل أن تعالج المشاكل الأساسية، ومن أهمها معدل أمان وحالة اقتصادية معقولين. فليس من المنطقي أن أطالب مخطط مدينة أو رئيس بلدية بتصميم عمراني للمشاة والدراجات الهوائية، وأن أحقق أعلى معايير الجودة العالمية لمنطقة ومركز المدينة في مدينة يُعتبر معدل الفقر فيها تحت الصفر، لأني في هذه الحالة أكون قد خططت لفئتين فقط، فئة الأغنياء في المدينة، وفئة السياح القادمين من خارجها، أما أهل المدينة فقد حكمت عليهم «اجتماعياً» بالبقاء خارج هذه الدائرة المليئة بالرفاهية، وهذا بالتالي يؤدي منطقياً إلى ازدياد معدلات الجريمة، وأحد أسباب ذلك إغفال نقطة مهمة، وهي أننا عندما خططنا هذه المدينة تم التركيز على جزء معين لتحقيق هوية معينة، وتحقيق الذات للمدينة دون مراعاة مراحل هرم ماسلو، وبمعنى أدق دون مراعاة التسلسل المنطقي لاحتياجات المجتمع داخل هذه المدينة فكأننا ونتيجة لهذا التفاوت في شكل المدينة، اتخذنا قراراً بفصل المجتمع إلى قسمين للأغنياء والسياح، وقسم للفقراء. وهذا قد يسبب مشاكل كثيرة ستنعكس على الهدف الأساسي للمدينة.
أخيراً...
ابدأ من نفس النقطة لتصل إلى ذات النهاية...
أما إذا بدأت من النهاية... فقد تعود إلى نقطة البداية...
ما بعد أخيرا...
في الرخاء تتعدد خيارات الإنسان ورغباته، أما في الشدة فلا يبحث إلا عن شيء واحد وهو النجاة... وكذلك المدن!.