د.حصة بنت زيد المفرج
إعلان معالي المستشار تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه، عن مسابقة تصوير لطائرات الخطوط الجوية السعودية، وهي في طريقها من جدة إلى الرياض برًا لا جوًا؛ لتكون جزءًا من معالم موسم الرياض لهذا العام، حدث استثنائي ليس على مستوى فئة المسابقة (التصوير) التي جعلت السعوديين يترقبون مرور هذه الطائرات وتصويرها فحسب، بل من منظور تسويقي؛ جعل من الحدث نفسه فكرة تسويقية ناجحة، لفتت الأنظار ليس داخل بلادنا فحسب، وإنما امتد أثرها إلى الخارج أيضًا.
لست مهتمة هنا كثيرًا بالجانب التسويقي - مع أهميته -إلا أن له أهله من المختصين القادرين على تفسير دلالاته، ورصد علاماته، وتقويم نتائجه؛ لذا سأذهب إلى جوانب أخرى رصدتها بمتابعتي لأجواء هذه المسابقة في بعد بيني يروم اقتناص مناطق الجمال الظاهر والباطن فيها.
فكرة مسابقة التصوير ليست جديدة كما نعلم جميعًا، لكنها مع هذا الحدث المتحرك الذي يمر بمناطق مختلفة من المملكة العربية السعودية، ويستهدف مادة تصويرية واحدة، تحول إلى فكرة (خارج الصندوق)؛ فالمشاركة متاحة للجميع، وفي أوقات ممتدة عند مرور هذه الطائرات العابرة برًا، كما أن أجواء المتابعة محفزة وماتعة، وكأنها صنعت حدثًا عالميًا يترقبه الجميع.
والجائزة الوحيدة التي رصدت لهذه المسابقة - قبل رفعها إلى عشر جوائز - لحظة هذه الكتابة، صحيح أنها محفزة على المشاركة في المسابقة، إلا أن عدد المشاركين يقول إن أهدافهم أكبر من ذلك بكثير؛ أن تشترك في مسابقة سعودية، وتكون ضمن حدث استثنائي سعودي يراه البعض عاديًا، يعني أنك مع كل(سعودي) قلبًا وقالبًا، وهكذا نحن جميعًا.
كان جمال الصور التي التقطت لا يضاهى، إبداع في مزج الإنسان بالجماد والبيئة المحيطة، وعوالمها الطبيعية المتنوعة، القرى المتناثرة على امتداد الطريق، والمدن المنتعشة في كل محطة وصول، بلاد مترامية الأطراف، متسعة المساحة، وكشف جغرافي عن معالم هذه الدولة الكبيرة مكانًا ومكانة، والأيام والساعات التي استغرقتها هذه المسيرة حتى الوصول إلى العاصمة الرياض - بإذن الله - لا يقول إلا بهذا العمق الجغرافي، ويؤكد دلالاته، وفي كل طرف ومكان فيها يخفق قلب كل سعودي حبًا وانتماء لهذا الوطن العظيم.
والعدسات المتنوعة التي رأينا بها هذا الحدث، ليست أدوات لالتقاط تفاصيل الحدث مباشرة فحسب، ولكنها أنموذج وطني لتصوير مواقع قد نعود إليها بعد سنوات، ونرى المستجدات وملامح التطور، والتغيير التي ستلحقها. كما أن هذه الصور الفوتوغرافية والمقاطع ستكون ذاكرة مرئية، ولحظات مخلدة بما يتجاوز الطبيعة العابرة للذاكرة العادية، وشهادة على مسيرة رؤية 2030 - بإذن الله -.
كما أن إشراك الجمهور في متابعة هذه الصور، والتعليق عليها، وحتى التوصية بالصور الفائزة؛ يحفز لوعي آخر، يجمع السعوديين تحت مظلة واحدة (كل فعل وحدث سعودي مهما كبر أو صغر، هو جميل بالضرورة، وجميل جدًا).
تأتي فكرة إعادة التدوير وربطها بمعالم سعودية قديمة أخرى محفزة للغاية؛ فالطائرات تابعة للخطوط الجوية السعودية في سنوات ماضية، تجلت في سلسلة من الصور الفوتوغرافية، ومقاطع الفيديو التي تصور الانتقال التدريجي للطائرات التي كانت (خارج الخدمة) لجعلها في أجمل صور نابضة بالحياة، وإن لم تكن في حالتها المعتادة طيرانًا في الجو، إلا أنها في مسار أرضي آخر محفوفة بهذا الاحتفاء من المسؤولين والمواطنين معًا.
ولا يمكن أن نغفل دور المشاركة العاطفية في هذا الحدث؛ فالصور على اختلافها أثارت مشاعر كثيرة أمام المتابعين، مواقف إنسانية متنوعة، مراحل عمرية مختلفة، مظاهر سعودية أصيلة بدت في رفع العلم السعودي، والتركيز على شعار الطائرة السعودية من جهة، وفي اللباس، والرقصات، وطريقة الاحتفاء من جهة ثانية. وبهذه العدسات، تجاوز التصوير الفوتوغرافي والمرئي الحدود الفنية ليحلق في فضاء تصوير الشخصية السعودية كما هي، وكما يجب أن تكون؛ لتصنع شهادات صامتة شكلًا، وناطقة قلبًا وشغفًا إلى ما لا نهاية.
وفي اللقطات المصورة رموز مميزة، ورسائل متنوعة تلخص كثيرًا من المعاني؛ بين الاعتزاز بالإبل ونحن في عام (2024) الذي اختارت وزارة الثقافة - بتأييد من القيادة الرشيدة - أن يكون (عام الإبل)، روح البداوة التي أحاطت هذه اللقطات بسياج منيع لنردد مع الأمير خالد الفيصل (حنا البدو) ومع نايف صقر (أنا بدوي ولد بدوي ولد بدوي)، الهوية السعودية الحاضرة في جنبات اللقطات باللباس السعودي الأصيل، ثنائية الماضي والحاضر، اللحمة الوطنية السعودية، الطاقة الشبابية الفذة، والإبداعات الحاضرة في كل وقت ومجال، وفي قراءة كل صورة على حدة سنخرج برسائل أعمق.
(تخيل) الكلمة التي افتتحنا بها موسم الرياض ذات يوم، لم نعد اليوم نتخيل.. لقد أصبح الخيال واقعًا، بل فاق الواقع الخيال وأكثر.
شكرًا معالي المستشار، إبداع في الفكرة، وإبداع في المتابعة، وحضور دائم مع المشاركين والمتفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يقول إلا شيئًا واحدًا: القيادة المبدعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - لا تدعم إلا قيادة مبدعة وناجحة ديدنها القوة والإنجاز، والرؤية الواقعية.
يأتي هذا الحدث ممهدًا لاستقبال فعاليات اليوم الوطني قريبا، وليثبت أننا نحن – السعوديين - نحول كل لحظة إلى إنجاز، وفرح، ونجاح، وانتصار، وتباهٍ، في ظل قيادتنا الحكيمة (والحي يحييك)، وكل عام ووطني في عزة، وأمان، ونجاحات باهرة، وكل عام ونحن فخورون به.
** **
- جامعة الملك سعود