رقية نبيل عبيد
اشتقت كالعادة لقراءة إحدى روايات دانيال ستيل، حيث تغوص تمامًا في حياة شخص آخر، غالبًا رائد فضاء أو جراح قلب أو صحفية جميلة تلفّ العالم، ووقع اختياري على رواية الزفاف، أذكر أنني كنت قد استمتعت للغاية بقراءتها كما أن أحداثها قد ابتلعها نسياني وبالتالي هي مثالية لإعادة القراءة، لكن ما إن قرأت السطور الأولى منها حتى أغلقتها وقد انتابني الذعر! كانت المحامية البارعة التي تمثل نصف مشاهير هوليوود تبلغ من العمر في الرواية تسعة وعشرين عامًا، تذكرت تمامًا الآن عمري حين قرأت هذه الرواية للمرة الأولى، عشرون عامًا!
وقتها بدا لي عمر التاسعة والعشرون مناسبًا تمامًا لتحقيق الأحلام، عمر كبير بما فيه الكفاية، ناضج بما فيه الكفاية لكي يصبح الإنسان بهذه الشهرة وهذا النجاح وهذا الاستقلال المادي الطبيعي، كل شيء طبيعي، طبيعي أن تكون المرأة قادرة على قيادة السيارة بكفاءة، طبيعي أن تمتلك عملًا جيدًا، طبيعي أن تملك شخصية نافذة جذابة واثقة!
أقول هذا للإنسانة التي تجاوزت التاسعة والعشرين مني، حيث تبدو الأيام وكأنها تعدو بي لتقذفني قذفًا إلى البوابة الثلاثينية! الخط الذي أخشى كما خشيت البشرية جمعاء قبلي، اجتيازه! من الأحمق الذي قرر أنه من الطبيعي واللازم أن يمتلك المرء كل هذا قبل الثلاثين؟!! لم أجرب العمل بعد قط في حياتي إلا مرة واحدة بسيطة يتيمة، نشُرت لي ثلاثة كتب لم تلق أي نجاح أبدًا، الإنجاز الوحيد الذي ظننتني وصلته هو النشر بشكل دوري لثلاث سنوات في الصحف والمجلات، كنت سعيدة لأنهم هناك أقروا واعترفوا وأرسلوا لي بالفعل أكثر من مرة مؤكدين مدى مهارتي الكتابية، كنت سعيدة أن الكويتبة بداخلي بدأت تتنفس، لكن هذه المهارة قابلة دومًا فيما يبدو للاستغناء عنها! هكذا أجدني لأكثر من شهر لا ينشر لي أي مقال قط، ولأول مرة يتجمع عندي العديد من المقالات التي لا تجد من ينشرها، بهذه البساطة عدت لذات العتبة التي كنت أقف عليها وأنا في أوائل عشرينياتي، باستثناء أنني لست كذلك بعد الآن، باستثناء أنني على وشك توديع العشرينيات لمرة أخيرة، باستثناء أن عشر سنوات كاملة قد مضت ولم أتقدم بعد خطوة في الطريق الذي كنت أريد وأحلم وأتمناه طيلة حياتي ومنذ عرفت لي اسمًا وكيانًا ومكانًا على خارطة هذا الوجود.
إنجازي الوحيد هو طفلتي ذات الأعوام السبعة، وبرغم أن من هم في عمري قد أنجبوا الثاني والثالث وحتى هذه متعسرة كثيراً عندي والحمدلله على كل حال، إلا أن طفلتي، حبة قلبي، برعمي الذي ينمو رويدًا بين يدي، تبقى إنجازي الأكبر.