سطام بن عبدالله آل سعد
في عصر يتسم بسرعة التحولات الصناعية والتكنولوجية، تبرز الحاجة الماسة إلى إيجاد حلول مبتكرة ومستدامة تلبي تطلعات التنمية الشاملة. في هذا الإطار، تقدم وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية مبادرة مهمة، حيث أعلنت عن إطلاق الهاكثون الصناعي تحت شعار «تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة». هذا الحدث المزمع إقامته في مدينة الرياض من 8 إلى 10 أغسطس، لا يشكل فقط ملتقى للمبدعين والمبتكرين، بل يعتبر منصة لإعادة تشكيل المستقبل الصناعي للمملكة. ويندرج الهاكثون ضمن مبادرات برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، والذي يهدف إلى إبراز أهمية تطبيق التقنيات الحديثة بطرق مبتكرة لتعزيز الصناعة والاقتصاد المستدام. ويركز الحدث على تكوين فِرَق عمل متجانسة تعمل معًا لمدة ثلاثة أيام، مستهدفة توليد حلول فعالة ومستدامة للتحديات التي تواجه قطاعات الصناعة، والتعدين، والطاقة، والخدمات اللوجستية.
سيكون هناك بلا شك تحديات كبيرة في هذا الهاكثون الصناعي، ولكنها تقدم فرصًا غير مسبوقة للابتكار والاختراع، وذلك من خلال تحفيز المشاركين على تبني التقنيات الجديدة وتشكيل نماذج عمل تجريبية تساهم في تحول المملكة إلى قوة صناعية رائدة. هذا النوع من التفاعلات يخلق بيئة غنية بالأفكار، فيتم تبادل الخبرات والمعارف، وتنمية المهارات الفردية والجماعية.
تقييم الحلول الناشئة أثناء الهاكثون يتم بآليات محددة تضمن مراجعة دورية وفعّالة للمشروعات المطورة. ويتضمن هذا التقييم استخدام معايير مثل الابتكار، والقابلية للتطبيق، والأثر البيئي والاقتصادي وغيرها. علاوة على ذلك، يتم تنظيم جلسات متابعة تجمع بين المطورين والخبراء والمرشدين لتحديد نقاط القوة والضعف في كل حل ولتقديم التوجيهات اللازمة لتحسين هذه الحلول وتكييفها مع التحديات المتغيرة. هذا النهج يضمن أن الابتكارات المستخرجة من الهاكثون تظل مستدامة وملائمة للتطبيقات العملية وتسهم بشكل مستمر في التقدم الصناعي والتكنولوجي.
إن التصنيع كمحرك للتحول الاقتصادي والاجتماعي يُعتبر أكثر من مجرد زيادة في الإنتاج الصناعي؛ إنه تغيير شامل يُسهم في إعادة تشكيل الهيكل الاقتصادي للدول ويشمل التطور الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، والثقافي. ففي سياق الهاكثون، يُنظر إلى التصنيع كعنصر حاسم يزيد من الدخل القومي ويحسن جودة الحياة في المجتمعات الحضرية، مما يدفع نحو التنمية المستدامة التي تطمح إليها المملكة. هذا الهاكثون يحفز على استخدام التكنولوجيا في الإنتاج، مؤكدًا على أهمية الابتكار في نمو كفاءة واستدامة القطاعات الصناعية، مما يساهم في إنجاز تحسينات ملموسة في البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.
يُظهر الهاكثون كيف يمكن للابتكار الصناعي أن يلعب دوراً حيوياً في الحفاظ على البيئة وتحسين الإنتاجية والاستدامة عبر مخرجات متنوعة وقيّمة، إذ تتضمن نماذج أولية وحلولاً تقنية يمكن أن تُحدث تغيير إستراتيجي في الصناعة السعودية. فمن المتوقع أن تشمل هذه الحلول مجموعة واسعة من القطاعات مثل الطاقة المتجددة، ورفع كفاءة الإنتاج، والأتمتة الصناعية .في حين تُعتبر الابتكارات الناشئة من الهاكثونات الصناعية محوراً رئيساً لدفع عجلة التنمية الاقتصادية في المملكة. وبالاستفادة من هذه الابتكارات، يُمكن تحفيز الاقتصاد بعدة محاور؛ أولاً، خلق وظائف جديدة عن طريق إنشاء شركات ناشئة وتوسيع قطاعات صناعية قائمة على التكنولوجيا الحديثة، وثانياً، تعزيز الصادرات بصنع منتجات وخدمات مبتكرة قابلة للتسويق العالمي. هذه الديناميكية ليست فقط تسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي، بل تعمل أيضاً على ترسيخ مكانة المملكة كمركز دولي للابتكار والصناعة المتقدمة.
يعتبر تطبيق الأفكار الفائزة في الهاكثون على أرض الواقع تحدياً كبيراً ويتطلب تعاوناً مكثفاً بين المبتكرين، والشركات الصناعية، والجهات الحكومية. فلا بد من توفير الدعم من خلال تمويل المشاريع، وتوفير الموارد اللازمة، وإنشاء بيئة تشريعية تُعزِّز من نمو هذه الابتكارات. بالإضافة إلى ذلك، يجب تمكين الشراكات بين الجامعات والمعاهد البحثية والقطاع الخاص لضمان استمرارية التطوير والابتكار.
من المهم أيضاً تأسيس منصات لتبادل المعرفة والخبرات بين الفائزين والشركات الكبرى لتشجيع الابتكار المستدام وتطبيق التقنيات في الصناعة، مما يتيح تقييم وتعديل الحلول الناشئة بشكل دوري لتلبية التحديات المتغيرة والمحافظة على القدرة التنافسية على المستوى الدولي.
أخيراً، الهاكثون الصناعي السعودي يعد بمثابة قاعدة انطلاق قوية نحو الوصول لاقتصاد صناعي متطور ومستدام. فمن خلال تبني الحلول المبتكرة، يمكن للمملكة تعزيز مكانتها كمركز عالمي للابتكار الصناعي والارتقاء بالصناعات التي تدعم الاستدامة والكفاءة الاقتصادية. يُمثّل الهاكثون خطوة مهمة نحو المستقبل، حيث يجمع بين أفضل العقول وأحدث التقنيات لإيجاد حلول تواكب تطلعات المملكة لتحقيق رؤيتها 2030.
** **
- مستشار التنمية المستدامة