عبدالله إبراهيم الكعيد
لا أدري من أين أتت تلك الثقافة التي ترى المبنى الاسمنتي والواجهات الرخامية أو الزجاجية دلالة على التطور ورقيّ الخدمات. دينما يممت وجهك تجاه مبنى حكومي في عالمنا العربي كالوزارات وفروعها والبلديات وحتى أقسام الشرطة تجد اهتماما ملحوظا بالمبنى من الخارج. كيف هو سير العمل في الداخل؟ هذا الأمر يعرفه جيداً المراجع وصاحب الحاجة.
قد تقبل البهرجة والتميز في شكل المبنى من الخارج حين يكون الهدف التناغم مع بيئة المكان أو الشكل الموحّد للعُمران في المدينة أو المحافظة، ولكن ما هو مبرر فخامة وضخامة مبنى في مدينة متوسطة الحجم يتبع لجهة يراجعها مراجعون أقل عدداً من الموظفين فيه؟
شاهدتُ يوماً مبنى تحت الانشاء ولفت نظري التصميم الذي ذكّرني بالحصون والقلاع الرومانيّة. الخراسانات والتسليح في إنشاءات المبنى تكفي لتشيد مالا يقل عن خمس مدارس، هذا والمبنى ما زال تحت الإنشاء.
حين سافرت لأول مرّة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الثاني من السبعينيات الميلادية لم تدهشني ناطحات السحاب ولا الطبيعة الخلابة سيما وأنا في ولاية دائمة الاخضرار دائمة المطر. لم تأخذ بلبي وأنا الذي أتى من عمق الصحراء إلى حيث صناعة طائرات (Boeing) في ضاحية (Everett) أي من تلك المظاهر المبهرة، بل انبهرت بتلك الطرق العملاقة التي تقطع أمريكا بالطول والعرض. وقتذاك لم يك في بلادنا سوى طرق اسفلتية ضيقة تربط المدن الرئيسة بالبلدات ذات الكثافة السكانية المناسبة للربط مع العاصمة.
تمنيت حينها ألاّ أموت قبل أن أشاهد مثل تلك الطرق في بلادي. واليوم الطرق في بلادنا - ولله الحمد- تجاوزت بمراحل طرقهم التي لم تتطور ومثلها بقية البنية الأساسية كالمطارات وسكك الحديد والمترو.
الأمر الآخر غير الطرق. بساطة وتواضع مباني الأجهزة الخدمية. لا بهرجة ولا زبرقة. مسار الخدمة توضحه اللوحات الارشادية لهذا لا حاجة لموظف يدل المراجع إلى مبتغاه. يهمهم هناك جودة الخدمة أكثر من ديكور المبنى. حتى مكاتب الموظفين بسيطة جداُ مقسمة إلى مساحات يفصل بينها عازل زجاجي وكل موظف منهمك في أداء مسؤولياته. الموظف لدينا كل همّه شكل الطاولة والمقاعد الوثيرة وبقية الأثاث.
أما المدراء فهم حكاية أخرى. يطلبون تغيير أثاث مكاتبهم كل حين، بل أن بعضهم حين يستلم منصبه يقوم من فوره بتغيير أثاث المدير الذي كان قبله وهكذا.
رغم ترديد الناس للأمثال التي توضح زيف المظاهر إلا أن البعض لا زال يرى بأن المظهر أولاً وثانياً وثالثاً.