سلمان بن محمد العُمري
البر بالوالدين ومحبتهما والإحسان إليهما، وكذلك محبة الأهل المتبادلة بين الزوجين لاتحد بيوم أو بأسبوع أو شهر بل هو حبٌّ دائمٌ، متصل غير منقطع وهذا ما حثنا عليه ديننا الإسلامي وتوافقت معه الفطرة السليمة السوية.
وإن مما ابتلينا به منذ عقود وزادت ضراوته بعد كثرة استخدام مواقع التواصل ما يسمى بيوم الأم ويوم الأب وعيد الحب وغيرها من المسميات التي ما سمعنا بها لا في ديننا ولا في تراثنا، وهي مع مخالفتها الشرعية هي اختزال وابتذال لمحبة من تم تخصيص اليوم لهم، فهؤلاء لا تنحصر محبتهم في يوم وليلة من العام بل هي محبة دائمة مطلقة وليست مقيدة، وقد تناسب المجتمع الغربي الذي فقد هويته وإنسانيته في ظلال الحياة المادية الجافة وتفكك الأُسَر، فلا ترابط ولا تراحم بين أفرادها، ولكنها لا تناسب عقيدتنا وطباعنا وأخلاقنا ومبادئنا المستمدة من ديننا الحنيف.
ولا يكاد يمر شهر بدون مناسبة هنا، وأخرى هناك مما تسمى تارة بأيام وتارة بأعياد، وفي مجتمعنا - والحمد لله - نجد أن العادات والتقاليد والأعراف السائدة محكومة بالدين الإسلامي الحنيف الذي أراده الله – سبحانه - لنا لننعم بظله في سعادة الدنيا والآخرة - إن شاء الله -.
ولو تأملنا تلك الأعياد والمناسبات، وبحثنا في أصولها ومنابعها لوجدناها قد نشأت في بلاد بيننا وبينها بون شاسع في أسلوب الحياة، ونمط العيش، حيث أصبح فيها الإنسان غريباً حتى في بيته، فالأم قد لا ترى أبناءها ربما لسنوات، ولا تعرف عنهم شيئاً، والأب يسكن في منزل مستقل بعيداً عن عائلته، وقد تكون العائلة بدون أب. والحب مفقود حيث حلت مكانه المصلحة، والمنفعة، والكسب المادي، وشريعة الغاب.
في مجتمعات كهذه ربما يكون ما يسمى عيد الأم، أو الحب، أو غير ذلك دليلاً على بقاء الاسم من فطرة الإنسان لدى أولئك الناس، فيحتفلون بأمهم لبعض الوقت، أو ينتظرون مناسبة معينة، وربما لا يكون الأمر كذلك، بل مجرد تسلية، وإمضاء للوقت وإقامة الموائد التي تعج بالمحرمات، أما المسمى فمفقود.
في تلك المجتمعات ربما يحن الإنسان - في عقله الباطن - لبعض الإنسانية، فيعطي بعض وقته لأمه في يوم معين، أو يعطي أبناءه جزءاً يسيرا من وقته.
هذا ما يحصل هناك في تلك البلاد، فهل نحن بحاجة لذلك؟ الجواب – بالطبع - لا، فما لدينا - ولله الحمد - أكثر بكثير من ذلك، ولسنا بحاجة لهذا التقليد الدخيل على مجتمعنا، فكل أيامنا للوالدين من بداية العام حتى نهايته؛ لأن بر الوالدين من صلب ديننا.
إن الوصية بالوالدين قد جاءت بتكرار رائع في القرآن الكريم، وعلى لسان خير الأنام نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعقوق الوالدين - والعياذ بالله - من الكبائر.
قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
إن بر الوالدين، والإخلاص لهما، ومودتهما، والتماس رضاهما من أمور ديننا، وللوالدين علينا حقوق كثيرة لا نستطيع أن نوفيهما حقهما مهما قدمنا.
وبهذه المناسبة أذكر قصة حصلت مع امرأة غربية دخلت المستشفى، وكان على السرير المجاور لها امرأة كبيرة، كان يزورها شاب كل يوم، ويقدم لها كل ما تحتاج إليه من خدمات، ويقبل يدها ورأسها على الدوام، ويدعو لها، وتدعو له، ويودعها أجمل وداع، وأحياناً في اليوم الواحد أكثر من مرة، وذهلت المرأة الغربية من هذا التصرف، وعندما سألت عن ذلك الشاب قالوا لها: إنه ابنها، وهو يقوم بعمل شائع، ومعتاد في مجتمعنا.
إنها تعاليم الإسلام الحنيف، إنها الفطرة الحقيقية، لقد أعجب هذا السلوك تلك المرأة الغربية أيما إعجاب، وكم تمنت لو أن لها ابناً كهذا، لقد كانت لا ترى ابنها إلا نادراً وحتى فيما يسمى عيد الأم!! كانت لا تراه، بل يرسل لها بطاقة معايدة!!.
تلك هي عاداتهم ، فهل نحن بحاجة إليها؟! وهذا هو واقعهم، فالحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، ونسأل الله أن يديم علينا نعمه ظاهرة وباطنة إنه سميع مجيب.