إن ناقوس الأزمة السكانية يقرع بشدة في كل أرجاء العالم، محذراً من قرب انفجار القنبلة السكانية المدمرة. وبعض الذين يقرعون الجرس يلومون الدول النامية على هذا الخطر الداهم لفشلها في تحقيق التوازن بين سكانها وحاجتهم من الماء والغذاء، وبعض آخر وهو قليل العدد يلوم الدول المتقدمة بسبب الفجور الاستهلاكي والتلويث البيئي المهددين للمصادر الطبيعية في العالم. وبعض ثالث يرى أن الطرفين ملومان كل بمقدار ما يسبب من خطر وما بيده من سلطة وإمكانيات.
إننا نخشى أن يؤدي بنا هذا إلى الوقوف على أبواب الدول الغنية نستجدي اللقمة والشربة فلا نجدهما.
فلا أحد منا يعرف بالضبط متى بدأت الحياة الإنسانية على سطح هذا الكوكب، بل إن كثيراً من تقديراتنا وحساباتنا وتأملاتنا وآرائنا هي أشبه بخطوات تتم في الظلام الدامس. ولكن هذا لا يعني أن جميع التقديرات والحسابات والتأملات بلا استثناء غير صحيحة أو غير قريبة من الصحة، إذ كلما انتقلنا من عصور ما قبل التاريخ إلى تاريخ الإنسان أو بدء الكتابة كانت حساباتنا أصح وتقديراتنا أقرب إلى الصحة. ففي كتابه: كوكبنا المزدحم يذكر فيرفيلد ما يلي: ليست نتائج الضغوط السكانية مثل المجاعات اليومية التي يواجهها ملايين من الناس مادية وفيزيقية فحسب، إنها أيضاً تولد مجموعة كبيرة من الأحوال غير المرغوب فيها والمؤثرة سلباً على أحوال وأشكال الحكومات وموضوع السلم والحرب نفسه.
لذا, وضح الخبراء من أن إنتاج الغذاء ينبغي أن يتضاعف خمس مرات لتوفير تغذية معقولة في حالة استمرار النمو السكاني على ما هو عليه طبقاً لتوقعات الأمم المتحدة بعدد سكان العالم حسب المعدل المتوسط، وفي حالة الدول النامية أو المتخلفة فإن إنتاج الغذاء يجب أن يتضاعف سبع مرات والمنتجات الحيوانية تسع مرات.
لقد اهتم مالثوس بالفقر المتزايد طولاً وعرضاً الذي يمكن أن يولده النمو السكاني غير المحدود، مع ملاحظة تلك المناطق من العالم التي يزداد سكانها غنى بسرعة كبيرة، والأغنياء فيها يستخدمون مساحات أوسع من المكان، ويستهلكون أكثر من المصادر الطبيعية، كما أنهم يلوثون كل يوم مساحات أكبر من الأرض والهواء والماء كيماوياً وحرارياً وإشعاعياً أكثر مما يفعل الفقراء، ومن ثم يمكن القول بأن الحاجة ملحة إلى ضبط زيادة عدد الأغنياء أكثر مما هي ملحة لضبط عدد الفقراء. إذن فالانفجار الاستهلاكي في الدول المتقدمة قد لا يقل خطورة على المصادر عن الانفجار السكاني في الدول النامية.
ثم إن التحديات النفسية والاجتماعية والسياسية تحديات حساسة وكما قال فيليب ابلمان في كتابه الانفجار الصامت: السكان كلمة يجب أن تذكرنا باستمرار وبقوة بأن السكان ناس أو بشر يجوعون إذا لم يأكلوا ويبردون إذا لم يلبسوا، ويشقون إذا لم يسكنوا في بيوت لهم، ولا يعون إذا لم يتعلموا، ومع ذلك فإن معظم ملايين الأطفال الذين يولدون في هذا العالم يقدم لهم إحباطاً أكثر مما يوفر لهم إشباعاً أو تحقيقاً لذواتهم، وأملاً أكثر من السعادة، إن هذا ليس نبوءة بل حقيقة واضحة.
ويعتقد واحد من أشهر خبراء نزع السلاح والقانون الدولي وهو جرينفيل كلارك بأن النجاح أو الفشل في توفير السلام العالمي على أساس متين من القانون الدولي يعتمد في الدرجة الأولى على حصيلة الجهود الخاصة بضبط الانفجار السكاني.
إن تصور قبول أو رضى ملايين من الناس الموت من الجوع داخل حدود بلدانهم التزاماً بقواعد النظام الدولي للحدود الإقليمية، بينما جيرانهم يتمتعون بموارد من الغذاء دون مهاجمتهم هو تصور سخيف أو مجنون.
ونحن نلاحظ كيف أن النمو السكاني يهز التوازن القائم بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان والإنسان، وكيف أن العالم بحاجة إلى معالجة هذا الأمر بالمحافظة على التوازن وإلا انفجرت القنبلة السكانية ودمرت الحضارة الإنسانية.
وبالطبع فإن أية معالجة لتكون حقيقية وناجحة يجب أن يشارك فيها أو يعيها الناس الذين تجري عليهم أو من أجلهم المعالجة لا أن تفرض عليهم بالقوة أو من فوق، فالإنسان عدو لما يجهل.
وعلى كل حال فإن بحثنا عن استراتيجية أو حل لا يعني أننا سنصل إليه بسهولة أو سنجده في متناول أيدينا، فالمسألة شديدة التعقيد ومتعددة الجوانب وهناك عراقيل قائمة تحتاج إلى زمن حتى تذلل، ولكن لابد لنا أن وأن نحاول، وما نقترحه من حل هو حل تكاملي أي لابد من تضافر عدة عوامل لنبلغه وهي العامل الديموغرافي أو الحل السكاني والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدولية.
لقد أدركنا مما سبق أنه لا يوجد توازن أو توازٍ بين سرعة النمو السكاني في العالم وسرعة النمو الاقتصادي والاجتماعي.
وهذا يعني أن على العالم جميعاً وعلى الدول النامية على وجه الخصوص أن تسارع الخطى نحو رفع معدل التنمية فيها جنباً إلى جنب مع التخطيط السكاني، وبعبارة أخرى فإن أي برنامج تنموي لا يكتب له النجاح بدون تشجيع تخفيض معدلات النمو السكاني، وبالعكس، فإن أي برنامج يرمي إلى خفض معدل الوفيات لا يتم تحديث الاقتصاد والمجتمع، وهكذا فكل من الأمرين لا يسد مسد الآخر مع أن مجموعة المشاكل الناجمة عن كل منهما مترابطة.
وإذا تجاوزنا الجانب الاقتصادي من الحل فإننا ننتقل إلى الجانب الاجتماعي أو التربوي الذي له دور لا يقل عن دور الاقتصاد، ففي كتابه: تحدي الفقر يقول جونارميردال: إن أية محاولة لخلق أمة متكاملة يشارك كل فرد من أبنائها في التنمية لابد أن تقوم على تعميم التعليم، فالتربية عامل هام جداً في عملية التنمية وقد عرفت قيمتها هذه عند المربين والمؤرخين، كما نظر إليها بنفس المنظار الاقتصاديون من أيام آدم سميث فصاعداً. وهو يضيف بأن الإصلاح الرئيس المطلوب في التعليم هو في النوعية، فالتعليم يجب أن يشمل مختلف المناطق والفئات، ويجب إيجاد مزيد من العناية بالذي يعلم ولأي هدف وبأية روح ولأية نتيجة، مثلاً بالنسبة للرغبة في احترام العمل اليدوي أو الاتجاهات نحو العمل والاستهلاك.
إن التربية اليوم هي استثمار في صناعة الإنسان الذي هو العامل الحاسم في تحقيق التقدم، ومن هنا فقد نستطيع الادعاء بأن الهوة بين البلاد المتقدمة والبلاد المتخلفة هي فجوة تربوية نوعية، وإن الفجوات الأخرى عبارة عن مظاهر أو آثار أو نتاجات للفجوة التربوية النوعية.
يقول فرانكلين برل في كتابه الجوع أقصر طريق إلى يوم القيامة: إنّ أصوات حوافر الحصان الأسود وهو الجوع تتجه نحونا بسرعة مذهلة، فالماء يتناقص والغذاء يندر، والأراضي الزراعية تضمحل، والسيطرة على الذات مفقودة، والوقت يفرّ من أيدي الناس، فهل يختل الميزان بين الإنسان والبيئة؟
كذلك يقول بول اهرلخ في كتابه القنبلة السكانية: لا نستطيع ومن غير المعقول أن نتوقع استمرار الحالة الرغيدة التي نحن فيها بينما تزداد الأحوال في بقية العالم سوءاً.
كما يضيف فيليب هوسار قائلاً: تجبرنا الواقعية على الاعتراف بأنه لا يلوح في الأفق القريب مجال لتغيير الأحداث تغييراً رئيسياً في نظرة العالم الحالية من حيث ضرورة إعادة توزيع المصادر والثروة اللازمة للتنمية الاقتصادية وكذلك ضبط السكان، لكن يمكن توفير موازنة للتنمية تزيد قليلاً على موازنات التسلح في العالم مما يمكن أن يغير العالم جذرياً وبخاصة إذا توفرت المعرفة اللازمة لصرفها جيداً.