خالد بن حمد المالك
بينما يستمر الحوار المُتعثّر لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، يستمر الرفض الإسرائيلي لشرط حماس لإطلاق الرهائن الإسرائيليين مقابل وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار، وبينما تستمر المظاهرات والاحتجاجات في أمريكا ودول أوروبا رفضاً للعدوان الإسرائيلي تواصل السلطات في هذه الدول في قمع الاحتجاجات السلمية في الجامعات تحديداً بما يُخالف ما توصف به هذه الدول بأنها مع حرية التعبير، واحترام حقوق الإنسان في التعبير عن رأيه.
* *
وفيما يتحدث العالم عن خيار الدولتين، حقناً للدماء، وتعزيزاً للأمن والسلام والاستقرار لدول المنطقة، وامتداداً لدول العالم، يخرج رئيس وزراء إسرائيل وأعضاء حكومته بالتناوب مُعلنين رفضهم التام لقيام دولة فلسطينية على أراضي فلسطين المحتلة منذ عام 1967م، وبالتزامن فإن إسرائيل حتى ولو وقفت لوحدها في إفشال هذا المشروع بدون داعميها وأصدقائها، فلن تتخلى عن احتلالها واستعمارها لفلسطين ومواصلة القتال.
* *
وأمريكا في هذه الأجواء تحاول أن تُحسّن صورتها، وتُجمّل مواقفها، وتُظهر كما لو كانت راعيةً للسلام، ومتفهمة لحقوق الفلسطينيين، ولكن في تناقض واضح فهي من مَوّلت إسرائيل بالسلاح الذي يُقتل به الفلسطينيون في غزة، وهي من أفشلت قرارات في مجلس الأمن لإيقاف القتال باستخدام حق النقض، وهي - لا غيرها - من هددت رئيس محكمة العدل الدولية وأعضاء المحكمة إذا ما صدر حُكمٌ بإلقاء القبض على رئيس وزراء إسرائيل وأعضاء مشاركين في حرب إبادة في قطاع غزة ثم هي من حالت باستخدام حق النقض في مجلس الأمن دون أن تكون لفلسطين عضوية كاملة بالمجلس.
* *
على أن إسرائيل لا تعترف بأي حكم صدر أو سوف يصدر ضدها، من أي جهة كانت - كعادتها - مُستقويةً بالشراكة والدعم السياسي والعسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، ليس هذا فقط، ولكنها تُصرّ على اجتياح غزة، وأن لديها من الأسلحة ما يحقق أهدافها، حتى وإن علقت أمريكا شحنة أو أكثر من السلاح الذي تغدق به واشنطن هذا العدو القاتل، فإن سياسة الاجتياح ستكون على مراحل، بحيث يلبي رغبة أمريكا، ولا يخلّ بالهدف الذي تسعى إليه إسرائيل وأمريكا والغرب.
* *
في نهاية حرب الإبادة هُدمت غزة، وقُتل وجُرح وفُقد أكثر 100 ألف فلسطيني، والعدد لا زال في ازدياد، وحُوصرت حماس في جزء من رفح، بينما الشمال والوسط تم تفريغه من المسلحين، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فإن إسرائيل سوف تمسك بالسيطرة على رفح، وثمن ذلك سيكون المزيد من القتلى والمصابين في الجانبين، ولن يسلم المحتجزون الإسرائيليون لدى حماس من القتل، وقد لا ترى حكومة إسرائيل بأساً من التضحية بهم مقابل احتلال قطاع غزة والتخلص من عناصر حماس والجهاد والفصائل الفلسطينية الأخرى.
* *
قد يحدث هذا من خلال قراءة غير مُتعمقة بما سيكون عليه الحال مستقبلاً في ظل سيطرة إسرائيل على منفذ رفح، ونفاد الأسلحة لدى حماس، ولكن ما لا يمكن أن ينتهي هو مُطالبة الشعب الفلسطيني بدولة له، حتى مع الظن الإسرائيلي بأنه لن تقوم قائمة للفلسطينيين بعد القضاء والتخلص من حماس وهو ظن خاطئ، فالفلسطينيون ليسوا (حماس) فقط، ومن يطالب بحقوقه المشروعة وعلى رأسها وفي مقدمتها الدولة الفلسطينية القادمة وعاصمتها القدس هم جميع المواطنين الفلسطينيين، وإذا ما خسر الفلسطينيون حرب غزة فهذه جولة، وهناك جولات وجولات أُخَرُ، وهناك معارك قادمة، وبالعودة إلى 75 سنة من الاحتلال بكل ما في هذه السنوات من دروس وعبر وإرادة وتصميم كافٍ للقول بأن الكفاح المسلح للفلسطينيين لن يتوقف بهزيمة أو انتصار إسرائيلي محدود.
* *
نعم ليس هناك قوة متكافئة بين الفلسطينيين وإسرائيل، بحكم الدعم الأمريكي والغربي الذي لا مثيل له في دعم أي دولة أخرى، ولكن من له حقوق، ومتشبثٌ بأرضه، ومُصرٌّ مهما غلا الثمن على استردادها أقوى من كل الأسلحة، والعاقل من يتعلم من التاريخ، ويعتبر به، ويتعلم منه، لأن صاحب الحق هو من سوف يبتسم أخيراً ومن ثم دائماً.