عبدالوهاب الفايز
بعد الندوة التي نظمها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، منتصف فبراير الماضي في الرياض، لتقديم نتائج الرحلة البحرية (رحلة العقد) لاستكشاف البحر الأحمر والتي كانت حدثاً وطنياً مهماً، تستضيف المملكة، وللمرة الأولى في المنطقة، منتدى المحميات الطبيعية (حِمى)، وأيضاً بتنظيم من المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في الرياض من 21-24 أبريل الحالي، بمشاركة محلية ودولية.
عبر هذا المنتدى تواصل بلادنا القيام بـ(دورها الحضاري) لحماية النظام البيئي كجزء من مسؤوليتها تجاه شعبها وتجاه الإنسانية. وأيضاً حتى تنجز المطلوب منها في العقد الحالي (من 2030- 2021) الذي أعلنته الأمم المتحدة كعقد لاستعادة النظام البيئي من العبث البشري، فالمؤشرات تقول ان 25% من الأنواع النباتية والحيوانية مهددة بالانقراض بسبب الأنشطة البشرية.
هذا الحدث الدولي الذي ننتظره يؤكد أن المملكة ماضية بقوة وثبات لحماية المواقع الطبيعية المهمة للتنوع الأحيائي، لضمان استقرار ونمو جميع الكائنات الحية التي تعيش داخل النظام البيئي في بلادنا. والآن.. وحين نمضي بإنشاء المحميات الطبيعية كأننا نقول لصحاري وشواطئ بلادنا: اهدائي وقري عيناً، وعودي يا غاليتنا إلى حيث كانت ترتع في ربوعك الحيوانات، وتغرد في سمائك الطيور، وتنتشر الفراشات، وتعيش جميع الكائنات الحية الجميلة. كانت الصحراء مصدر إلهام الشعراء رغم قساوتها. هل تذكرون رائعة ابن لعبون:
(سقى صوب الحيا مزن تهامى
على قبر بتلعات الحجازي
يعط بها البختري والخزامى
وترتع فيه طفلات الجوازي
وغنى راعبيات الحماما
على ذيك المشاريف النوازي)
التنوع الأحيائي أو البيولوجي أصبح (قضيه وجوديه) للبشرية، فهو الحياة التي نعتمد عليها في بقائنا. بالنسبة لنا في المملكة هذا الموضوع يشكل أهمية قصوى لكوننا في حزام صحراوي، ونواجه مخاطر التصحر المدمر للتنوع البيولوجي في الطبيعة. لذا، المحميات الطبيعية سوف تحمينا من القطع الجائر للأشجار، والصيد الجائر حتى نحافظ على الأنواع من النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة التي تعتمد عليهما الصحراء في استمرار عطائها للإنسان.
ولكن كيف نمضي في تحقيق هذا المشروع الكبير؟
المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية أعد (الخارطة الوطنية للمناطق المحمية 30×30 )، وذلك تحقيقاً لالتزام المملكة في قطاع البيئة من خلال مبادرة السعودية الخضراء التي أطلقت في عام 2021. هذه المبادرة من أهدافها الرئيسية تحويل 30% من مساحة بلادنا البرية إلى مناطق محمية بحلول عام 2030 . المرحلة الأولى والتي تنتهي بنهاية عام 2025 تستهدف تحويل 22% إلى محميات برية، وتحويل 24% من مساحة المياه الإقليمية للمملكة إلى محميات بحرية. أما المرحلة الثانية فهي بنهاية 2030، وحينذاك سوف تحقق المملكة ـ بحول الله ـ الريادة العالمية حين نصل لحماية 30% من مساحة صحاري وبحار بلادنا. هذه المناطق المحمية سوف تكون موئلاً جديداً لعودة وتكاثر الكائنات الحية، وقيمة حضارية واقتصادية كبرى.
ربما السؤال: لماذا تهتم الدول بالمحميات؟ المناطق المحمية فوائدها عديدة، وآلية لحماية النظم البيئية وحماية التنوع الأحيائي، وتساهم في رفع قدرة النظم البيئية والتنوع الأحيائي في مقاومة التغير المناخي. لذا المحميات هدفها أن تعطي الأرض الفرصة لتكتمل دورات حياتها بشكل صحي وسليم. ومن هذا المشروع الكبير لتوسع المحميات وتطور خدماتها سوف نجني فوائد عديدة منها:
أولاً، مقاومة التصحر وزيادة الرقعة الخضراء. يلاحظ المختصون أن المحميات الطبيعية والتي تغطي بحدود 15% من مساحة المملكة ساهمت بتقليل عواصف الغبار التي كنا نشهدها، فمنع النشاط الإنساني وترشيده وتنظيف المحميات من مخلفات البناء والمخيمات ونشر البذور ووقف الرعي الجائر وإعادة إطلاق الحيوانات المنقرضة أدى إلى تماسك قشرة الأرض بعد توالي الأمطار.
ثانياً، هناك فوائد تجنيها الأبحاث في صناعة الأدوية والعقاقير. النظم البيئية والأنواع الفطرية الحيوانية والنباتية الثرية والمتجددة تساهم في إنتاج العديد من الأدوية التي يتم استخلاصها من الطبيعة.
ثالثاً، هناك فائدة للاقتصاد السياحي، فالمحميات سوف توفر منتجات سياحية تساهم في قيام أنشطه جاذبة للاستثمارات وتفتح فرص عمل وتجارة واسعة، وهذا يجعل المحميات الطبيعية محفزة للنمو الاقتصادي.
رابعاً، المحميات تساعد على تطوير خدمات صحية ونفسية، فالطبيعية تتيح الروابط الثقافية، والنفسية، والروحانية، فالإنسان يلجأ إلى الطبيعة للاسترخاء، وممارسة الرياضة، والمشي، والنزهات العائلية، ومشاهدة الطبيعة، وركوب الخيل، ولذلك تعد مصدراً للسياحة البيئية.
خامساً، تكاثر المحميات ونمو الغطاء النباتي والحياة الفطرية فيها يساهم في التخفيف من آثار تغير المناخ إذ تلعب دورًا حاسمًا في احتجاز الكربون وتخزينه، مما يساعد في التخفيف من آثار تغير المناخ.
سادسا، نمو المحميات يساعد على الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، حيث يتم تنظيم الصيد وقطع الأشجار، مما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية على المدى الطويل.
سابعاً، نمو المحميات له إيجابياته العالمية، فالدول والمجتمعات التي لديها أنظمة محميات طبيعية راسخة ومطبقه سوف تعزّز سمعتها الدولية، وتُقدم في إطار الدول التي تتحمّل المسؤولية في القضايا الأساسية الوجوديّة للإنسانية، بالذات الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي. والمملكة لديها محميات مسجلة ضمن الموروث الإنساني العالمي، فالمحافظة عليها تقدم خدمة للإنسانية، وتعزّز مكانة بلادنا كممر للطيور والكائنات الحية.
هذه هي الأمور الحيوية التي يتطلع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية إلى إبرازها وتقديمها عبر هذا المنتدى الدولي، فقد دعا الخبراء المتخصصين في النظم البيئية والتنوع الأحيائي لكي يقدموا لنا القيمة الاقتصادية الواعدة التي ننتظرها من المحميات، بالإضافة إلى إبراز الأبعاد الاجتماعية والسياحية التي سنفقدها في حال تعثر مشروع المحميات الطبيعية.
سيقول لنا هؤلاء الخبراء إن هذه المحميات التي اقتطعناها من أرضنا وبحارنا لن تكون مناطق تكلفة ومعزولة، بل ستكون واحات للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.. وسيكون الناس القريبون منها هم أول وأكثر المستفيدين من حمايتها ومن خيراتها. وعندما يدركون هذه القيمة الإيجابية سيكونون هم حماتها ورعاتها.
والأهم الذي نسعى إليه من تنظيم هذا المنتدى هو جلب الخبرات والمعارف والدروس الدولية التي نجحت في استثمار المحميات وحولتها إلى قصة نجاح للحكومات وللمجتمعات. نحتاج إلى التعلم من هذه التجارب بعد السنوات الطويلة التي أهملنا فيها البيئة والحياة الفطرية. نحتاج إلى التعلم من مشاريع الاستدامة المالية التي ساعدت على التغيّر الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات المحلية، بالذات المشاريع التي نجحت في إفريقيا وآسيا، حيث حولت الناس من (العلاقة السلبية) المدمرة للحياة الفطرية إلى (علاقة حميمة) واستثمار لبرامج الحماية والرعاية الحكومية.
وهذا هو النجاح الأكبر الذي نتطلع إليه في بلادنا، أي أن يكون الناس، قبل الحكومة، هم الراعين والحامين والأصدقاء للبيئة وفيهم الشغوف بها وبالتنوع البيولوجي؛ إن حمايتها ترتبط بوجودنا بهذا الكون وتلبي الغاية الأساسية لوجود الإنسان وهو: عمارة الأرض.