خالد بن حمد المالك
لم تعتد إسرائيل على حرب طويلة المدى في كل حروبها مع العرب والفلسطينيين، ولم تشهد غلياناً ومظاهرات ضد الحكومة كما هي الآن، ولأول مرة يكون هذا الانقسام بهذه الحدة بين الإسرائيليين، حتى عدد القتلى والمصابين في صفوف الجيش الإسرائيلي هو الأول بهذا العدد الكبير، فضلاً عن أن جيش العدو فشل في تحقيق انتصار كما كانت عليه حروبه السابقة رغم الدعم العسكري الأمريكي ودول الغرب.
* *
هذا يعني أن القول أو الادعاء بأن لدى إسرائيل جيش لا يقهر، هو وهم وادعاء غير صحيح، والدليل حرب غزة، وستة شهور من القتال لم تستطع إسرائيل أن تصل إلى أسراها، فضلاً عن تحريرهم، وأنها خسرت ثمناً باهظاً من عناصر جيشها بين قتيل وجريح، وهو ما لم تعتد عليه، ما شكل انطباعاً عن ضعف الجيش، رغم تسليحه ودعمه أمريكياً، مع أن المقاومة الفلسطينية محدودة الإمكانيات والتجهيزات في مواجهتها بجيش إسرائيل.
* *
هذا التحول في النظر إلى الجيش الإسرائيلي يغري الفلسطينيين للصمود أكثر، والإصرار على التمسك بحقوقهم، وعدم التنازل عن مطالبهم، مهما كانت ضراوة الحرب، وهو ما فعله الفلسطينيون في قتال غزة، ثم في إملاء شروطهم للإفراج عن الأسرى لدى إسرائيل، وبينها الوقف الفوري للحرب، وعودة النازحين من الجنوب إلى الشمال، حيث كانوا، وتبادل الأسرى بين الجانبين.
* *
وليس أمام إسرائيل وداعميها الآن إلا البدء في تنفيذ خيار الدولتين، لأن بقاء الوضع على ما هو عليه لن يحقق الأمن والسلام لإسرائيل، ولن ينهي جذوة المقاومة لدى الفلسطينيين لاسترداد حقوقهم، وقيام دولتهم، وسيظل الصراع يكبر وينمو لصالح الفلسطينيين، وهو ما تشير إليه حرب غزة والتوقعات.
* *
وإذا كان لدى إسرائيل مخاوفها من أن قيام دولة فلسطينية مجاورة لها، يعني زوال إسرائيل مع مرور الوقت، وهو ما يُظهر قناعتها بأنها أُقيمت كدولة على أرض ليست لها، فيمكن وضع ضمانات دولية لسلامة استمرارها جنباً إلى جنب مع الدولة الفلسطينية التي يجب أن تكون هي الأخرى دولة قابلة للحياة، وأمنها بضمانات دولية أيضاً.
* *
على إسرائيل أن تتجرَّع السم بموافقتها على إقامة الدولة الفلسطينية إذا كانت تريد السلام والعيش، ومن غير حروب، والاستقرار في دولة تتعايش مع جيرانها، بدلاً من أن تكون دولة منبوذة، زُرعت في المكان الخطأ، وعلى أرض ليست لها، وهو تحدٍ كبير، لا خيار أمام إسرائيل غيره، ولا أمل لها بدونه، رغم مرارته وصعوبة هضمه.