جانبي فروقة
يرجع تاريخ الشكولاتة وصناعتها من حبوب شجرة الكاكاو إلى حضارة المايا القديمة وحتى قبل ذلك إلى حضارة الأولمكس القديمة في جنوب المكسيك. وحبة الكاكاو تتميز بفوائدها الصحية للقلب والعقل واحتوائها على مضادات الأكسدة التي تساعد أيضا في معالجة الالتهابات.
ما يقرب من ثلاثة أرباع الكاكاو في العالم يتم إنتاجها من أربع دول في غرب إفريقيا: ساحل العاج وغانا والكاميرون ونيجيريا، حيث بلغ الإنتاج ما يقارب من 3.9 مليون طن في عام 2022م.
تصاعدت أسعار الكاكاو بجنون فقد أصبحت الآن أكثر قيمة من الذهب وتفوقت على عملة البيتكوين حيث ارتفعت أك+ثر من 200 % وتجاوز سعر الطن 9 آلاف دولار. وتعاني الأسواق العالمية نقصا في محصول الكاكاو بمقدار 11 % ويرجع ذلك لعوامل عديدة منها التغير المناخي لبضع سنوات نتيجة تراجع مساحة الغابات واستبدالها بزراعة الكاكاو ومن الصعب سد هذه الفجوة لأن شجرة الكاكاو مكلفة وتحتاج لسنوات عدة لتبدأ في الإنتاج.
تعتمد صناعة الشكولاتة (التي تقودها شركات كبرى مثل نستله ومارس وهيرشي وغيرها) على زراعة الكاكاو لتوفير المكون الرئيسي للشكولاته ووصلت قيمة هذه الصناعة اليوم إلى 130 مليار دولار أمريكي. في ساحل العاج وحدها يوجد مليون مزارع يعملون في توريد الكاكاو ومع ذلك فإن مزارعي الكاكاو في أفريقيا يحصلون على أقل من دولار واحد في اليوم. وقد حدد البنك الدولي عتبة الفقر المدقع عند 1.90 دولار في اليوم وهذا ما يقود إلى عمالة الأطفال وتعريضهم لظروف العمل الخطرة.
وتوصف سلسلة التوريد للكاكاو بالحلوة المرّة، ويتحمل المزارع مرارتها، فعند دراسة سلسلة القيمة (Value Chain) من حبة الكاكاو إلى قطعة الشكولاتة المباعة على الرف في سوق التجزئة يعد المزارعون من بين أقل الأشخاص دخلاً بالنسبة لسعر طن الكاكاو المباع، حيث يمثّلون فقط 6.6 % من قيمة السعر النهائي. فنحن نستمتع بطعم الشكولاتة ولكن تكلفتها البشرية مرّة.
وتعهدت الشركات الكبرى مثل مارس وهيرشي ومارس بالقضاء على عمالة الأطفال في زراعة الكاكاو على مدى العقدين الماضيين لكنها لم تصل إلى أهدافها وتعمل منظمات مثل Rainforest Alliance وFairtrade على زيادة إمكانية التتبع لسلاسل التوريد عن طريق بيع الكاكاو المعتمد الذي يتم الحصول عليه من المزارع التي تحظر عمالة الأطفال ولكن هناك الكثير مما يتوجب عمله للقضاء على عمالة الأطفال حيث أن تقريراً لمكتب شؤون العمل الدولي التابع لوزارة العمل الأمريكية يؤكد أن 1.56 مليون طفل يستغلون في مزارع الكاكاو في ساحل العاج وغانا لوحدهما.
يتوقع أن يصل عدد سكان العالم في عام 2050م حسب منظمة الأمم المتحدة إلى 9.1 مليار نسمة وهو أعلى بـ34 % من عدد السكان في 2023م وأحد أهم التحديات التي يواجهها العالم هو توفير الغذاء حيث يجب أن يزيد إنتاج الغذاء بنسبة 70 % والتحدي الآخر هو معالجة الإفراط في الاستهلاك (سمة المستهلك المعاصر) الذي بات يضغط على استخراج الموارد الطبيعية بوتيرة لا تصدق فعلى سبيل المثال في عام 2022 م بلغت «البصمة المادية» للاتحاد الأوربي رقماً مذهلاً بلغ 14.8 طن للفرد والبصمة المادية (Material Footprint ) تشير إلى أجمالي كمية المواد الخام المستخرجة لتلبية متطلبات الاستهلاك النهائي ويعتبر أحد المؤشرات التي تتعرض لها البيئة لدعم النمو الاقتصادي وتلبية الاحتياجات المادية للناس.
إن صناعة الأغذية مسؤولة اليوم عن 26 % من انبعاثات غازات الدفيئة التي تؤثر في التغير المناخي وتأتي البصمة الكربونية للشكولاته الداكنة في المرتبة الثانية بعد اللحوم واستنادا إلى قياسات مكافئ ثاني أكسيد الكربون (CO2e)، حيث ينبعث من 47 كيلو جراما من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلو جرام من منتج الشكولاتة النهائي.
رحلة الكاكاو من الحبة إلى أصبع الشكولاتة تمر بمراحل الحصاد والتخمير والتجفيف والنقل الداخلي والتنظيف والتصدير ومن ثم مراحل الإنتاج في المصانع من تحميص وطحن وتحويلها إلى سائل أو زبدة الكاكاو.
سيساهم الذكاء الاصطناعي في تطوير زراعة الكاكاو الذكية ويمكن المزارعين من مراقبة وتحليل العوامل المختلفة التي تؤثر على إنتاج الكاكاو من تربة وجودة التربة والآفات واعتماد طرق مستنيرة لتحسين عائدات المحاصيل وممارسة طرق مستدامة في الزراعة تقلل البصمة الكربونية وسيساهم الذكاء الاصطناعي أيضا في تحسين طرق النقل وسلاسل التوريد ومراحل التصنيع في المصانع.
الشكولاتة لا تذوب القلوب وتحسن المزاج فقط وإنما محافظ المستهلكين بارتفاع أسعارها. واليوم بدأت شركات تتجه لابتكار بدائل الشكولاتة وهناك تجربة فريدة من صنع بديل للشكولاته من الفول. وما يهم اليوم هو رفع الوعي للمستهلك وإدراكه أنه عندما نتلذذ بطعم الشكولاتة لا بد أن نتذكر رحلة حبة الكاكاو المتواضعة وعدالة زراعتها وتجارتها.
** **
- كاتب ومقيم في الولايات المتحدة الأمريكية