خالد بن عبدالرحمن الذييب
نعرف مسبقاً عن توريث المال، وهو ما يسمى بعلم المواريث وفيه تقسم تركة المتوفى على المستحقين من الورثة حسب تقسيمات ربانية معروفة لأهل الاختصاص، وهذا وعلى الرغم من صعوبته وخطورته إلا أنه أقل ضرراً من توريث الأفكار، والتي يُقصد بها تناقل الأفكار بين الأجيال على أنها حقائق دون تدقيق وتمحيص، وأشهر هذه الأفكار عبر التاريخ فكرة مركزية الأرض للكون والتي أتى بها أرسطو، إلى أن جاء البولندي كوبرنيكوس ونقضها علمياً.
مشكلة الأفكار أنها تدخل في عقل الإنسان «الفرد» ببطء، ولكنها متى ما دخلت واحتوت عقل الإنسان «الفرد» فإنها سيطرت على العقل والروح معاً. وتبدأ بالتناقل بين الأفراد لتسيطر على المجتمع كاملاً، ويتحول المجتمع من مجموعة أفراد بأفكار مختلفة إلى «فرد كبير» يؤمن بفكرة واحدة، ويبدأ هذا الفرد الكبير «المجتمع» بتوريث الفكرة إلى مجتمع أو جيل آخر «الفرد الكبير الآخر».
وكما أن المال يتوارثه الأبناء عن الآباء فإن الأفكار أحياناً والعقائد كذلك. فهي أمور تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، وقد تؤدي إلى نكسة أجيال نتيجة توريث فكرة خاطئة لا يكلف الجيل التالي نفسه أن يخطو خطوة للبحث عن حقيقة هذه الفكرة، فنوح عليه السلام لبث في قومه 950 سنة، وعلى الرغم من ذلك لم يهتدوا والسبب توريث فكرة خاطئة عن نوح عليه السلام تناقلها قومه جيلاً بعد جيل، فقد كان الأب يذهب بابنه عند سن البلوغ وبداية الإدراك إلى نوح ويقول له: انتبه هذا كاذب يريد أن يغير دين الآباء والأجداد فلا تصدقه.
950 سنة لم يكلف أحد نفسه بالتأكد من المعلومة إلا نفر قليل ممن آمن مع نوح. قبول توريث الأفكار من الجيل الثاني على أنه حقيقة أمر خطير. ويجب ألا نتعامل معه مثل تعامل بعض المدارس الفقهية حول توريث المال، والتي ترى أن الوريث ليس عليه أن يسأل من أين أتى المال، فتوريث الأفكار قضية شائكة وحساسة، فعندما يأتي جيل قبلي بأفكار معينة ويريد أن يورثني إياها فلا يفترض أن أقبلها كما هي، بل يجب أن أعرف ما هي وكيف أتت ولماذا؟
أخيراً ...
هناك فرق بين التمسك بالأصالة، وبين الترديد الببغاوي لأفكار معينة دون معرفة كيف أتت، ولماذا أتت، ومن أتى بها.
ما بعد أخيراً ...
لا حقيقة اتفقت عليها الإنسانية جمعاء إلا الموت... حتى الإله... اختلفوا فيه، والحمد لله أني أحد المؤمنين به.