مها محمد الشريف
لقد ابتعد السلام عن مكانه الذي حددته له الحرب في السابق، وأصبح يتعايش معها، بل يتغذى منها، وأحيانًا يأخذ مكانها. ما معنى أن يُقال عن الحروب ما بعد الحرب العالمية الكبرى «بالحرب الباردة»؟ وما معنى أن توصف مرحلة الحرب الباردة بأنها مرحلة السلام المستحيل؟ إن الجميع يدرك اليوم أن القتال المسلح لا يكون فقط بالقذائف أو الطائرات، وليس المجابهة بين جيشين بالذخيرة الحيَّة، فقد دخلت الحرب الاقتصادية أو الحرب التجارية كنوع من القتال رغم كونها تجري تحت يافطات السلام.
هذا ما قاله جون كينيث غالبريث عن السلام وله العديد من الكتب والروايات والتقارير عن إمكانية واستصواب السلام، وله أيضاً كتاب السلام غير المحبذ، حيث قال فيه «إن السلام جامد يمنح المجتمعات الإنسانية استقرارًا أشبه ما يكون باستقرار الصخور، وهو سلام خارج عن كل حياة». في الحقيقة، الكتاب يحمل للسلام العديد من المصطلحات لمجموعة مفكرين أمريكيين، جعلوا للسلام أوصافًا عديدة.
فالشرق الأوسط يعاني من تحديات كبيرة، من أجل تحقيق السلام الدائم في فلسطين، وإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وإيقاف العنف ضد الشعب، والخروج من مأساة الحرب بين إسرائيل وحماس، وتخفيف حدة التوتر في المناطق المضطربة، إبعاد القوات المتنازعة عن بعضها البعض، وتهيئة الظروف لسلام مستدام بعد أن يتم التوصل إلى التسوية. واتخاذ تدابير إنفاذ وعقوبات صارمة إذا لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية، حتى لا يبدو أن كل شيء يعزّز للحرب تعزيزاً كبيراً.
بعد أكثر من خمسة أشهر من الحرب، تبنى مجلس الأمن الدولي قراره الأول الذي يطالب فيه بوقف فوري لإطلاق النار» في غزة. علماً أن الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت بعدما عطلت محاولات سابقة لإصدار قرار عبر اللجوء إلى حق النقض (الفيتو). فمنذ بدء الحرب في غزة، تمكن مجلس الأمن الدولي من إصدار قرار، حمل الرقم 2728 يطالب «بوقف فوري لإطلاق النار».
إن المفاهيم والأهداف واضحة ومتطابقة مع متطلبات صون الأمن والسلم الدوليين مهما كانت المستجدات بمساعدة البلدان والمناطق في الانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلام، والحد من مخاطر انزلاق أي بلد في العودة إلى الصراع من خلال تعزيز القدرات الوطنية لإدارة الصراع، وإرساء أسس السلام والتنمية المستدامة، فتلك الإدارة العميقة عليها تحمُّل المسؤوليات القديمة والجديدة، مهما تجددت القرارات، وأن يكون لها دور أساسي في فهم مسيرة السلام ودعم إصلاح قطاع العدالة والأمن؛ وتعزيز حماية حقوق الإنسان، وتعزيز المصالحة بعد وقوع الفظائع الماضية والدمار الذي لحق بغزة وشعبها وباقي مدن فلسطين.