خالد بن عبدالرحمن الذييب
يقول الدكتور المهندس توفيق أحمد عبد الجواد في كتابه «تاريخ العمارة الحديثة في القرن العشرين» الجزء الرابع، «إن المهندس المعماري هو الذي يصنع الحضارة وأن العمارة هي التي تكتب التاريخ». ومع اتفاقنا على أهمية المعماري في تنمية المجتمعات، إلا أني أختلف مع العبارة. فعندما نهتم بالمبنى على حساب المكان، وعندما نفكر بالشكل على حساب المضمون، نفقد المدينة والمدنية.
شخصياً أعتقد أن العمارة هي ناتج حضارة، أو هي صورة لتقدمها، والصورة التي تعكس الحقيقة، وأحياناً تعكس غيرها. فالأشكال الجمالية في المدن من مبانٍ ومجسمات جميلة الشكل لا تعني بالضرورة أن المدينة تعيش حضارة عملاقة. فالحضارة والتطور أساسها الاقتصاد القوي، والأمن الداخلي والخارجي، والعدالة الاجتماعية، والتنمية العمرانية بمفهومها الشامل، وظروف أخرى، لأن المباني الجميلة والرائعة والمصممة بشكل رائع وأصبحت أيقونات وتحفاً معمارية هي «نتيجة لقوة» تلك الحضارة، وليست سبباً لها. فالأهرامات مثلاً والتي كانت أطول مبنى في العالم لمدة تصل إلى 3800 سنة لم تصنع حضارة مصر الفرعونية، لأن الأهرامات لم تُبنَ إلا نتيجة لقوة الحضارة الفرعونية، وكذلك فإن أغلب المباني الشهيرة في العالم كان سبب بنائها «إثبات قوة» وليس «صناعة حضارة»، بل إن بعضها كانت ترفاً لا معنى له مثل «تاج محل»، والذي كان سبب بنائه تخليداً لذكرى زوجة الملك لا أكثر، إذن فلا تاج محل، ولا الأهرامات صنعت حضارة دولها، بل إنها في الواقع كانت نتيجة قوة تلك الحضارات وكأن تلك الحضارات تقول «من أشد منا قوة» وأرادت أن تثبت تلك القوة بأن خلقت تلك المباني الضخمة والتي أصبحت فيما بعد أيقونات تاريخية.
وتأكيداً على ذلك يشير ابن خلدون في مقدمته العظيمة «في آثار الدولة كلها على نسبة قوتها، والسبب في أن الآثار إنما تحدث عن القوة التي بها كانت أولاً وعلى قدرها يكون الأثر»، وهذا يؤكد أن العمارة نتاج وشاهد على الحضارة «الآثار إنما تحدث عن القوة التي بها» ولم يقل إن القوة تنتج عن الآثار التي كانت بها، ولنا في قصة قوم عاد وثمود حيث إنهم بطروا، بالآثار مما أدى إلى هلاكهم، ولكنهم لم يبطروا إلا بعد أن أحسّوا بقوتهم، بل إن العمارة تصبح أحياناً دليلاً على الترف ومؤشراً على نهاية الحضارة، فهي على أهميتها لا تنجح إلا في المجتمعات المترفة.
إذن فإن العمارة والتشييد والآثار «صورة صادقة وتعبير دقيق لحضارة الإنسان وتطوره ورقيه» كما يقول الدكتور/ عبدالجواد في جزء آخر من كتابه لكنها ليست هي التي صنعت الحضارة.
أخيراً..
العمارة صورة حضارة، ولكنها ليست سبباً لها.
ما بعد أخيراً ...
بعض المدن آثرت على نفسها السير نحو التناطح لعلو الحجر...
ونسيت الرقي بالبشر.