عبد الله سليمان الطليان
كل نفس بشرية تحمل في داخلها مشاعر وأفكاراً مختلفة في هذه الحياة، يبقى الأبرز فيها هو الصراع من أجل إثبات الوجود والذات بكل الطرق سواء كانت إيجاباً أو سلباً، وهي تنشأ منذ قدوم الإنسان إلى هذه الحياة، وتأتي بشكل متدرج مع تنامي عمره وبحسب كل مرحلة، وهي مثار نقاش وجدال دائم لا ينقطع إلى يومنا الحاضر.
والكل بلا استثناء يسعى إلى إثبات وجوده ولكنّ هناك تفاوتاً وتبايناً وقوةً في هذا، بسبب البيئة الاجتماعية والثقافة المختلفة.
لإن المجتمع هو الإطار الذي يمثل أكبر ساحة لهذا الصراع في إثبات الذات بكل طرقه ووسائله بعد تخطي الأسرة، ما يهمنا هنا الجانب السلبي الذي يتبع في تحقيق ذلك، والكذب يمثل هذا الجانب في القول وكذلك الفعل الذي يأتي أحياناً بشكل خفي يقوم على انتحال الصفة، خاصة في المجال التعليمي الأكاديمي الذي هو ما قامت به أستاذة متخصصة في تاريخ أصحاب البشرة السوداء في جامعة جورج واشنطن (جيسيكا كرج) حيث افترضت أشكالاً مختلفة لهويات أصحاب البشرة السوداء في شمال إفريقيا وفي أمريكا الذين ينحدرون من أصول كاريبية، وهي في حقيقة الأمر امرأة بيضاء من كنساس، وتعترف وتقول (يمثل الجزء الأفضل من حياتي الراشدة نقلة نوعية وكل علاقة كونتها، كانت تضرب بجذورها في تربة سامة مفعمة بالأكاذيب)، لقد صقلت كرج هويتها المفترضة عبر السنين واستخدمتها بشكل صريح للتحدث عن العرق في أمريكا بدا هذا في أثناء دراستها بجامعة ويسكنسن في ماديسون حيث اعتادت على تعريف نفسها على أنها جزائرية وقالت إن والدها رجل أبيض من أصل ألماني وفق رواية زميل أكاديمي لها، حصلت كرج على تمويل مالي لبرنامج مخصص للباحثين المهمشين، ونشرت كتاباً بفضل عقدين من الأكاذيب. هذا مثال واحد من أمثلة عديدة تدل على حب إثبات الذات بالكذب. بطبيعة الحال مجتمعنا لم يسلم من هذا فقد استشرى فيه على نحو كبير وأعتقد أنه ما زال يزداد، ولم يسلط الضوء إلا على نحو يسير عبر مقالات ولقاءات إعلامية مختلفة والذي يشمل حقيقة الشهادة العلمية وكذلك مصداقية الأبحاث من حيث كيفية إعدادها ومصادرها، ونسأل ما هي دوافع أو أسباب هذا الكذب الذي قد لا نحصره في جانب تعليمي فقط؟
الحقيقة تقول كل إنسان سواء كان ذكراً أو أنثى يمر بتجارب مريرة أحياناً في داخل الأسرة أو المجتمع تجعله يلجأ إلى الكذب متمثلة في التأنيب القاسي والظلم والقهر والحرمان فكل هذه لها دور رئيسي وكبير نحو إثبات الذات بالكذب من أجل التعويض النفسي.