عبدالله إبراهيم الكعيد
يتقابل الجيشان في أرض المعركة وفي ساعة الصفر يتم اقتحام التحصينات والدُشم فيُلعلع الرصاص وتبدأ أفواه المدافع بإطلاق الحِمم. تهتزّ الأرض بفعل انفجار القنابل ويبدأ الكرّ والفر وهنا تتضح الفوارق بين المحارب الشجاع الذي يحمل روحه بين كفيه من المحارب الجبان الرعديد الذي ينهار من هول الموقف.
بالرغم من تطور أدوات القتال من السيف والدرع والرمح مروراً بالسهام والمنجنيق وصولاً إلى البارود ومن ثم الديناميت والمتفجرات إلاّ أن المقاتل المدرّب والشجاع هو العنصر الذي تعتمد عليه الجيوش قديمها وحديثها فهو الذي يخلق الفارق أثناء الزحف والالتحام واحتلال المواقع والتمركز في الأماكن الإستراتيجية للدفاع عنها. وقد خُلّدت أسماء محاربين كانت لهم مساهمات بارزة في الانتصارات ودحر الأعداء ومن يريد معرفة أكثر عن هؤلاء فعليه أن يقرأ عن معارك وقعت في حرب فيتنام تكبّد فيها الجيش الأمريكي بعدته وعتاده هزائم على يد مقاتلين لا يملكون غير أسلحة تقليدية متواضعة مقارنة بخصمهم اليانكي. وكذا شجاعة الكاميكاز الياباني في الحرب العالمية الثانية وغيرهم.
كان المقاتل في تلك الحروب يلتزم بأخلاقيات الحرب وخصوصاً أثناء استسلام أفراد العدو أو إصابة أحدهم وأسره وكيفية التعامل مع المدنيين العُزّل لأنه كان يقابلهم وجهاً لوجه ويرى معاناتهم ويضعف وقت توسلاتهم فيلين قلبه ويتعاطف معهم.
يقول عالم النفس الفيلسوف الألماني الأصل اريك فروم في كتاب (حب الحياة) من منشورات جداول وترجمة حميد لشهب « هناك إذاً فروق كبيرة بين البارحة واليوم. على سبيل المثال في حرب 1914 كان المرء قد أخذ بعين الاعتبار قاعدتين عالميتين: عدم قتل المدنيين وعدم التعذيب».
أما اليوم والكلام للسيد فروم فإن قتل المدنيين قد أصبح شيئاً مفروغاً منه، لأن الاعتراف بحدود استعمال العنف لم يعد معترفاً به. وحتى التقنية لم تعد تسمح بمثل هذا التمييز، إنها تقتل عن طريق ضغط الزر. وبما أن المرء لا يرى العدو فإن الشعور بألم الآخر وبعذابه لا يحدث.
بناءً على هذا القول، هل تعتقدون أن ذاك القابع في غرفة القيادة والسيطرة بالمقر الرئيسي للقيادة المركزية الأمريكية في قاعدة ماكديل الجوية في تامبا بولاية فلوريدا والذي قرر الضغط على زر إطلاق صاروخ مدمّر من طائرة بدون طيار (درون) على مكان ما في الشرق الأوسط أو أفغانستان وهو يتلذذ بتناول شطيرة (هامبرغر) ويجرع من زجاجة الكولا، يُدرك كم من نفس بريئة سيزهقها ظلماً وعدواناً وهل يعتبر نفسه حينها مقاتلاً شجاعاً؟
أُدرك أن من يمتلك تكنولوجيا الحرب سيكون المنتصر في غالب الأحوال لكني في نفس الوقت على يقين بأن صاحب الحق يملك من العزيمة والشجاعة ما قد يقهر تلك التكنولوجيا وينتصر في النهاية.