محمد سليمان العنقري
قبل خمسين عاماً تأسست الوكالة الدولية للطاقة من قبل الدول الغربية الأكثر استهلاكاً للطاقة، لتلعب دوراً في دراسات سوق الطاقة وتوجهاته واستخداماته التقنية وتطويرها، إضافة لامتلاكها مخزوناً من النفط تتدخل من خلاله بالأسواق لخفض الأسعار وللوكالة تاريخ طويل بإصدار التوقعات والبيانات، لكن يطغى عليها تغليب المصالح الضيقة لأعضاء الوكالة، إضافة الى كون أهداف هذه التقارير لا تحمل صبغة اقتصادية خالصة، بل فيها الكثير من الغايات السياسية، ولكن الملفت أنه في أبريل 2022 أعلنت منظمة أوبك أنها قررت التوقف عن استخدام بيانات وتوقعات وكالة الطاقة الدولية، حيث تصاعدت الاتهامات للوكالة بأن توقعاتها ونظرتها للأسواق تفتقر إلى الدقة والمنطق وتتعامل مع الأرقام بحسب مصالح الدول الأعضاء فيه.
ولعل أشهر توقعاتها الخاطئة عندما أصدرت تقرير عام 2004، قال فيه إن سعر برميل النفط، سيصل إلى 22 دولاراً عام 2011، لكن الواقع أن سعر البرميل وصل إلى 110 دولارات، كما أن تقريرها الصادر في العام 2008. والذي توقعت فيه أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى 105 ملايين برميل يومياً لم يكن دقيقاً، فقام فريق من الباحثين في جامعة أوبسالا بالسويد بالتدقيق في التقرير 2008.
وتوصل إلى أن الطلب لن يتجاوز 75 مليون برميل، واعتبر حينها رئيس فريق الباحثين دكتور كييل ألكلت، أن تقرير الوكالة ما هو إلا « تقرير سياسي»، فالوكالة لطالما بشرت بقمة النفط أي ذروة الطلب، ولم يتحقق ذلك، وأيضاً لها تقديرات خاطئة عن نسبة استخدامات الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة للدول الأعضاء فيها، وكذلك في الاستخدام عالمياً، إضافة إلى وضع تقديرات ثبت أنها غير واقعية لتكاليف الطاقة المتجددة، لكن حثها المستمر على خفض الإنفاق الاستثماري في النفط الغاز، أدى إلى ظهور خطأ فادح بمزيج الطاقة لدى أعضاء المنظمة، حيث أصدروا قوانين، واتخذوا قرارات تحد من الاستثمار بالنفط والغاز، حتى هبطت بنحو 50 بالمائة عن معدلاتها الاعتيادية، وعندما ظهر خطأ تقدير الوكالة، عادت الاستثمارات إلى الارتفاع خوفاً من انهيار الركائز الثلاث لاستقرار أسواق الطاقة المتمثلة في وفرة الإمدادات وكفاية الطاقات الإنتاجية والمخزونات الاستراتيجية لدى الدول الأعضاء في الوكالة، فنتيجة لهذه التقديرات الخاطئة، قامت الدول الأعضاء وبتشجيع من الوكالة باستخدام جزء كبير من هذه المخزونات بقصد إغراق السوق، وتخفيض السعر، وهو ما ثبت أنه توجه خاطئ، وأنهم سيعودون لتعويض هذه الاحتياطيات، وبأسعار أعلى من تلك التي بنيت عليها قبل سنوات طويلة.
لكن الملفت، والذي يعد تحولاً مهماً بالنظر لتقارير الوكالة كان الصدمة التي أحدثها خطاب وجهه أعضاء بمجلس الشيوخ والنواب الأمريكي للوكالة، يتضمن اتهامات بأنها متحيزة ضد النفط والغاز، وأنها انحرفت عن مهمتها الأساسية، وصارت منبراً يقوض أمن الطاقة، كما أن النماذج التحليلية للوكالة لم تعد تزود صناع السياسات بتقييمات متوازنة، وكل سيناريوهاتها لتوقعات الطاقة أصبحت محل شك، كما قالوا إن التقرير السنوي أصبح موجهاً، بينما أوضحوا أن تقارير الوكالة، تتعمد تجاهل عناصر تحليلية ذات أهمية بالغة لصناع السياسات وفجوة توقعات الطلب على الغاز بحلول 2050 تدفع النواب للشك والارتياب وطالبوا رئيسها التنفيذي فاتح بيرول بالرد على عشرات الأسئلة المرسلة له رسمياً، فالخطاب يمثل نقطة تحول مهمة ستثير بقية اعضاء المتظمة حول دورها ومدى كفاءة رئاستها الحالية، فمن الواضح أن هناك موقف شخصي بات يطغى على إدارة الوكالة مع النفط والغاز والفحم الحجري يبتعد عن الواقع الحقيقي لاحتياجات الاقتصاد العالمي للطاقة، والمتوقع أن يبقى فيه النفط والغاز ركائز الطاقة عالمياً لعقود ولعل الحرب الروسية على أوكرانيا أسقطت الكثير من أوهام تغير سوق الطاقة العالمي بعيداً عن النفط والغاز، وأصبحت الدول الأعضاء بالوكالة تسعى لتعزيز شراكاتها مع الدول المنتجة للنفط والغاز لضمان أمن امدادات الطاقة للمستقبل مع تغير بتوجهات الاستثمار نحو الوقود الأحفوري وزيادة باستخدام الفحم الحجري.
وكالة الطاقة وعدت أعضاءها مراراً ومنذ عقود بأن العالم يعيش قمة النفط وذروته وأسعاره إلى تراجع حتى يصبح ناضباً اقتصادياً ولم يتحقق شيء من ذلك، ووعودها تذكرنا بقصة الحلاق الذي وضع إعلاناً على محله الجديد بأن الحلاقة غداً مجاناً، وعندما اتت الزبائن لتحلق مجاناً كان يطلب منهم الأجر، وإذا سألوه عن إعلانه قال لهم غداً مجاناً، وليس اليوم وفي كل يوم يكرر جوابه لزبائنه، وهذا الغد لم يأت إلى يومنا هذا.