عبده الأسمري
عاش بروح «العابد» واشتهر ببوح «الزاهد» وملأ ميادين الدعوة بالحكمة البالغة وأبهج مضامين الخطابة بالموعظة الحسنة وجمّل عناوين التأليف بالوسطية المتزنة حتى رسّخ سيرته في قلب «الأثر» وصنع مسيرته في قالب «التأثير» وانطلق راشداً يجمع غنائم «الإحسان» ومضى رشيداً يحصد مغانم» الحسنى».
ما بين «منابر» المساجد ومعابر «الوعظ» ومحاريب «الجوامع» ومواجيب «الجموع» رفع راية «العلم» وحقق غاية «العمل» ساكباً عبرات الخشوع سابكاً عبارات التقوى كاسباً اعتبارات اليقين مرتباً مواعيد «الأجر» على أسوار «الاحتساب».
إنه الداعية المعروف الشيخ عبدالله بن صالح القصير - رحمه الله - أحد أشهر الدعاة في الوطن والعالم الإسلامي,
بوجه قصيمي تسكنه ومضات «التقى» وسمات «الورع» وتقاسيم نجدية تتقاسم مع والده لمحات «التدين» وتقتسم مع أخواله «إضاءات «الالتزام» وعينين تسطعان بالتواد وتشعان بالتراحم وطلة باهية تتعامد على محيا زاهر بالتواضع واللين وشخصية متزنة القول وسطية المنهج لطيفة التواصل نبيلة التعامل لينة الجانب, قضى القصير من عمره عقوداً وهو يدعو إلى سبيل الله ويؤلف في محيط الاختصاص ويوعظ في دوائر الشرع ويوجّه بين قوافل الدعاة ليترك اسمه ضياءً في «قوائم «الخير وصداه إمضاءً في «مقامات» التقدير.
في قرية الشقة إحدى قرى «القصيم» الباذخة بتخريج «الفضلاء» إلى محافل العطاء ولد عام 1370 في يوم مفرح تكلل بالبهجة وتجلل بالمهجة وتناقل الأهالي المتجاورون في السكن والسكينة النبأ المبارك بدعوات المشاركة والمباركة لقدوم ضيف إلى جمع العائلة الشهيرة بالنبل والفضل.
تأثر القصير مبكراً بالجو الروحاني والأفق الإيماني الذي ملأ سماء طفولته بدواعي «التدين» ومساعي «التيقن» في كنف أب كريم أسبغ عليه بلوائح «التوجيه» ونصائح «التربية «وأم فاضلة أغدقت عليه بهدايا «الدعاء» وعطايا «الابتهال» فنشأ محفوفاً بتربية إيمانية عطّرت قلبه برياحين «المكارم» وغمرت وجدانه بنفائس «الفضائل».
ظل القصير ينصت لصوت «الفلاح» في مسجد قريته ماكثاً أمام «سراج» القرآن الكريم وأصوات القراء في كتاتيب بلدته مرتقباً نهارات «الكفاح» متأبطاً سجادته ومصحفه ملتحقاً بقوافل «الصالحين» منذ صغره فتعتقت نفسه باكراً بصبغة «الإيمان» وتشربت روحه طبيعة «المعروف» فكبر وفي فؤاده درر «الفرقان» وفي عقلة جواهر «البيان».
ركض القصير مع أقرانه بين «حقول» بريدة واستنشق صغيراً «عبير» الحصاد في مزارع عشيرته وظل يردد الآيات والأحاديث أمام أقاربه كل مساءٍ منتظراً نتائج «التقييم» الذي كان يضعه في رصيد «دوافع» الطفولة التى تحولت إلى «منافع» البطولة التي جناها بواقع الكفاح ووقع النجاح في ذاكرة «الأشهاد» من زملائه وأساتذته وطلابه في سنوات لاحقة.
ارتهن القصير لنداء الحق الذي غمر داخله طفلاً فأنصت إلى حكايات المآثر في سير الطيبين من أبناء قبيلته ودروس الأكرمين من أفراد أسرته فسكنه شغف التعلم وإلهام المعرفة والتحق بمقاعد الدراسة حيث درس الابتدائية في قريته، ثم درس المرحلتين المتوسطة والثانوية في المعهدين العلميين ببريدة والرياض. وانتهل من علوم ومعارف أساتذته ومنهم الشيوخ صالح السكيتي وصالح البليهي وعلي الضالع وحضر دروس الشيخ صالح بن أحمد الخريصي.
التحق القصير بكلية الشريعة في الرياض عام 1396 ونهل من معين دروس كبار العلماء والذين كان ثاوياً بينهم ومنهم سماحة الشيخ عبدالله بن حميد وفضيلة الشيخ الدكتور صالح الفوزان ولازم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حوالي 3 عقود.
تخرج من الجامعة وتعين على وظيفة داعية بالرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وتعين في عام 1410هـ مديراً للدعوة والمساجد في منطقة الرياض. مع استمراره في العمل الدعوي، حتى عُيَّن مستشار الدعوة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد واستمر فيها حتى تفرغه عام 1428هـ من العمل الحكومي إلى مجال الدعوة الإسلامية.
شارك في تدريس القرآن الكريم ومحاضرات في أصول الفقه، والمرافعات الشرعية، والأحوال الشخصية، والثقافة الإسلامية في كلية الملك فهد الأمنية ما بين عامي 1402- 1404هـ. وقام بتدريس محاضرات الثقافة الإسلامية بكلية الملك عبد العزيز الحربية ما بين عامي 1402- 1403هـ.
وعمل محاضراً في العقيدة الإسلامية والدعوة في كليات الشريعة، وأصول الدين، والدعوة، ومركز التعليم المستمر وخدمة المجتمع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للفترة ما بين 1413- 1418هـ.
مثّل الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ثم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في عدة لجان محلية على أعلى المستويات لدراسة جملة من الأنظمة ذات الشأن وصياغتها بما يتفق مع الشريعة الإسلامية.
كلفه سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن باز بتمثيله في حضور بعض المناسبات واللجان خارج المملكة في عدد من الدول الإسلامية.
لازم القصير المساجد والجوامع وكانت له دروس متواصلة في عدد من مساجد مدينة الرياض وأبرزها جامع الشيخ فهد العويضة وجامع الأمير فيصل بن محمد بن تركي وجامع فهد الدخيل الذي عمل إماماً وخطيباً له وكانت دروسه في عدد من الكتب المعتمدة عند أهل العلم ومنها: مختصر تفسير ابن كثير، تفسير السعدي، مسند الإمام أحمد، صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، شرح السنة للبغوي، بلوغ المرام، عمدة الأحكام، كتاب التوحيد، العقيدة الواسطية، شرح السنة للبربهاري، لمعة الاعتقاد، ثلاثة الأصول، العقيدة السفارينية، الدرر السنية، مجموع فتاوى ابن تيمية، الروض المربع، وغيرها.
وارتبط بمنبر الجمعة واعتلاه منذ كان على مقاعد الدراسة في منتصف المرحلة الثانوية حينما كان دارساً بالمعهد العلمي بالرياض عام 1392هـ وذلك في جوامع مستشفى القوات المسلحة وحي السليمانية، والمنصور بالمرقب والأمير متعب الغربي بحي الملز والأمير فيصل بن محمد بن تركي بحي المغرزات والشيخ فهد الدخيل بحي الشهداء، إضافة إلى خطب الجمعة التي يلقيها خارج المملكة في رحلاته الدعوية الرسمية.
برع في الخطابة وفصل الخطاب واشتهر بجمال الصوت وجميل الإلقاء وقد قام بجمع وتنقيح خطب الجمعة في مؤلفه: «اللمع من خطب الجمع» في ثلاثة مجلدات.
ألّف القصير وأصدر عشرات الكتب والرسائل المخطوطة ولديه أخرى تحت الطبع وشملت عدة تخصصات في العقيدة والتوحيد وأصول الدين والفقه والمأثورات والفتاوى والدعوة وله المئات من التسجيلات الصوتية والمقاطع والمشاركات على اليوتيوب وكتب بانتظام في فترة من حياته مقالاً أسبوعياً في صحيفة الجزيرة السعودية من خلال زاوية باسم (منبر الجمعة).
سيرة زاخرة بالمعارف وفاخرة بالمشارف للشيخ القصير قضاها في العمل الدعوي والشرعي وخدمة الإسلام في الداخل والخارج وتخرج على يديه المئات من طلبة العلم والمشايخ وأئمة وخطباء المساجد والجوامع.
توفي القصير يوم الأربعاء الثالث من شهر رمضان الجاري للعام 1445 بعد معاناة مع المرض كان خلالها صابراً صبوراً وراضياً محتسباً ونعته المنصات الإعلامية والوسائط الاجتماعية وعزا فيه «الوجهاء والفضلاء والنبلاء» من المسؤولين والأئمة والخطباء والدعاة من الوطن ومن كل أرجاء العالم التي طالما خصص لها رحلات سنوية لنشر الدعوة وخدمة الدين ونفع الناس.
الشيخ عبدالله القصير الداعية العابد الذي أسس سيرته وأرسى مسيرته من عمق «نفس» فتية قوامها «الزهد» ومقامها «الجد» إلى أفق «ذات» قوية عنوانها «الصلاح» وميدانها «الفلاح» بانياً طموح «الإلهام» ومشيداً صروح «المقام» بدلائل «الشهود» وبراهين «الاستشهاد».