د.عبدالله بن موسى الطاير
قرار تقسيم فلسطين رقم 181 في 29 نوفمبر 1947 كان الأول، ومنذ النكبة تتابعت القرارات، حيث صدر عن مجلس الأمن حوالي 90 قرارا، أربعة منها عام 1948، وآخرها في عام 2024م. كما صدر عن الجمعية العامة حوالي ثمانية عشر قرارا، وعن اليونسكو 14 قرارا، بالإضافة إلى عشرات القرارات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان، ولم تلتزم إسرائيل بقرار منها.
الأمم المتحدة بأجهزتها هي مركز النظام العالمي، وعدم الانصياع لقراراتها يعني الخروج عن المنظومة العالمية والتمرد على الشرعية الدولية. والمكونات الأساسية للهوية الصهيونية وبخاصة المنطلقات الدينية تجعلها فوق النظام العالمي ومؤسساته، باعتبار أنهم البشر الوحيدون الذين لهم السيادة، والبقية قطعان من الأنعام أوخدم للمشروع الإسرائيلي.
ترتاب إسرائيل في النظام العالمي، وتتوجس من جميع دوله، بمن فيهم أمريكا، وتعتقد أن كوكبا بلا نظام عالمي يحقق مصالحها بشكل مثالي، ففي حالة الفوضى والخطر المحدق تتصرف بالتخطيط والمؤامرة والتدخل المباشر، وحروب الإبادة، ولا يكاد نزاع يحدث في العالم لا تجد لإسرائيل والصهيونية العالمية يد سبقت فيه. ليس لديها أصدقاء، ولا حلفاء تثق بهم، ولا تحترم عهودا ولا اتفاقيات، فجميع علاقاتها مبنية على أساس مصالح شعب الله المختار فحسب. إسرائيل تسخر من كل المبادرات التي يتقرب بها الأميون منها، وتعتبر أنها مجرد عناوين براقة تجمّل الخضوع المطلق لمصالحها.
غياب المؤسسات التي ترعى السلم والأمن، وتجريد الاتفاقيات الدولية من مضامينها، واحتدام التنافس بين الدول أو التحالفات القوية على الهيمنة الإقليمية، وديمومة الاحتكاك بين القوى والحروب بالوكالة، هي البيئة النموذجية التي توسع فيها إسرائيل خطوط حمايتها بدءا بإشغال العالم ببعضه، وانتهاء بالتوسع الجغرافي وإبادة أي مصدر تهديد سواء أكان مدنيا أو عسكريا.
تعطل التجارة العالمية، التي تعتمد بشكل كبير على الاتفاقيات والمنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية، واندلاع الحروب التجارية، وعدم الاستقرار الاقتصادي، وتحول الموارد المتدفقة بحريا مثل النفط إلى أوراق مساومة أو بؤر إضرام للصراعات، تخدم جميعها إسرائيل والصهيونية العالمية التي تسيطر على مفاصل المال والتجارة، ويتضاعف نشاطها في تجارة الحرب وعدم الاستقرار أكثر منه في حالة السلم، ففي الحالة الأولى تعمل شبكاتها السرية بكفاءة عالية، وتنمو وتتضاعف فوائدها في الظروف الحرجة، بينما في الحالة الثانية يشاركها المكاسب آخرون وهو ما لا تقبله في مستقر عقيدتها.
عدم التعاون الدولي في قضايا مثل اللاجئين، والأوبئة، والكوارث البيئية، وشيوع انتهاكات حقوق الإنسان، وانعدام المحاسبة هي ممارسات مثالية لإسرائيل، فهي لا تعتبر غير اليهود بشرا لهم حقوق إنسانية أساسية، إلا إذا كانوا في خدمة مشروعها وعنصرها المصفى، وهي لا تعترف في الأساس بالاتفاقيات الدولية التي تحمي الإنسان (غير الصهيوني) وتحترم حقوقه وتحاسب على انتهاكها.
إسرائيل أول دولة امتلكت سلاحا نوويا في الشرق الأوسط، ولذلك فإن إن انتشار الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة النووية، محرم على غيرها، حتى على أصدقائها المزعومين فهي لا تثق بأحد على الإطلاق، وهي غير ملتزمة بمعاهدات أو بروتوكولات دولية للحد من التسلح، ولا تنتظر موافقة أحد على استئصال خطر محتمل كما فعلت مع المفاعل النووي العراقي. إن ازدهار القرصنة والإرهاب والجريمة المنظمة ميادين تجيد إسرائيل اللعب فيها.
غياب النظام العالمي تستفيد منه إسرائيل وحدها، فهي القادرة على صناعة الازدهار والابتكار والتعاون الإقليمي في مجالات معينة تدعم زعامتها وأمنها ووجودها وتبقي الآخرين في خدمتها، وبكل تأكيد فإن تحقق نوع من الرفاه والتعاون المحدود في هكذا ظروف سيكون له كلفة باهظة لن تدفعها إسرائيل وإنما الدول والكيانات الضعيفة المتعلقة بأستارها.
إن المجتمع الدولي بدون نظام عالمي سيكون مكانا خطيرا لغير إسرائيل، والتعاون الدولي ضروري لمواجهة التحديات العالمية وتعزيز السلام والرخاء، لغير إسرائيل، كما أن النظام العالمي الحالي، على الرغم من عيوبه، يوفر إطاراً للحوار والتجارة والعمل الجماعي لخدمة إسرائيل، وأي تحسين له يجب أن يكون بانهياره الكامل لتعيش إسرائيل بأمان. إسرائيل لا تؤمن أن استقرار المنطقة وخلوها من الصراعات يخدم مصالحها، كما تتصور وتتوق بقية بلدان الشرق الأوسط، فهي ليست مع أي تنظيم يفيدها ويستفيد منه غيرها.
اليوم تدرك دول العالم أكثر من أي وقت مضى، أن إسرائيل، الدولة الدينية المتطرفة، خطر على النظام العالمي، وتدرك أمريكا اليوم، أكثر من أي وقت مضى أن إسرائيل اليمينية لا يهمها مصلحة أحد غير بقاء مشروعها، وهي مستعدة لتدمير الإدارة الأمريكية من أجل نتنياهو. هذا الإدراك التراكمي قد يقود إلى تحولات مهمة تخضع إسرائيل للنظام العالمي والمحاسبة.