د. غالب محمد طه
في مقال نشر حديثاً، أبرز لوكاس جوبا، الذي يرأس برنامج «الذكاء الاصطناعي من أجل الأرض في مايكروسوفت» أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مغيراً لقواعد اللعبة في مواجهة التحديات المجتمعية الملحّة وخلق مستقبل أفضل. وفي ذات الإطار أشار مؤلف كتاب «اقتصاديات الذكاء الاصطناعي» إلى أن الأتمتة والذكاء الاصطناعي والروبوتات سوف تزيد من الطلب على العمالة في المستقبل، على عكس ما نتخيل دائماً، ونضيف عليهم بأن الروبوتات لن تكون خصماً علينا في جميع المجالات، بل هي إضافة ستساعدنا في إنجاز الكثير من الأعمال الروتينية توفيراً للوقت والجهد، بل إنها ستكون مساندة لنا خصوصاً في الأعمال الخطرة، فالدخول إلى عالم الذكاء الاصطناعي والروبوتات سيعزِّز من فرص الدخول لعصر المعرفة الذي بدأ في التشكيل وتغيير كل شيء تقريباً في الحياة.
فالمقدّمات تؤدّي دائماً إلى النتائج، والتخطيط المحكم يؤتي ثماره مواكبة وتميزاً وسيطرة، فرؤية 2030 باتت عنواناً كبيراً لكل التحولات الهيكلية التي تمضي بشكل متسارع في التعليم والصحة والبنية التحتية ... وإلخ.. والتي تعكس الأهداف التي قامت عليها الرؤية في سبيل تحويل المملكة إلى منطقة (كوزموبوليتانية عالمية) تتوافر فيها كل متطلبات العصر الرقمي، فالتطور في مجال الصناعة التقنية الرقمية جزء يسير من منظومة متكاملة تسير بثقة نحو تحقيق مجتمع رقمي يسعي لتوفير بيئة حاضنة للابتكار وتطوير القدرات الرقمية وتمثّل الروبوتات جزءاً يسيراً في إستراتيجية متكاملة لبناء المملكة الذكية وتعزيز قدراتها الوطنية في مجال التقنيات الحديثة، حيث يعتبر الرهان على الذكاء الاصطناعي صراعاً على المستقبل.
فاجأنا مؤتمر «ليب» 2024 بالتطور المذهل الذي وصلت إليه السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي وصناعة الروبوتات وجاءت النسخة الثانية المصممة من الروبوت السعودي أكثر تطوراً من النسخة الأولى التي أطلقت في العام السابق والتي حملت اسم «سارة « وقد تميزت النسخة الثانية من الروبوت السعودي بقدرتها على التواصل باللهجات السعودية المختلفة مما شكل فتحاً جيداً في عالم الروبوتات ومحاكاتها بالإنسان، حيث أضحى الذكاء الاصطناعي التوليدي قادراً على إنتاج وتوليد معطيات جديدة أثارت الانتباه وكأن الأمر مستقى من قصص الخيال العلمي التي اجتاحت حياتنا من خلال الأفلام المبهرة والتي أصبحت مؤخراً وكأنها واقعاً معصيشاً. فقد أبرز المعرض تطور الخدمات الحكومة الرقمية وفق أعلى المعايير والممارسات الدولية، إلى جانب تعزيز المكانة الرقمية الرائدة للمملكة وفق مُستهدفات رؤية السعودية 2030 .
وتتميز النسخة الجديدة من الروبوت السعودي بالتفاعل الحركي السلس والقدرة على التعبير الوجهي وحركة الشفاه المتزامنة مع الكلام وفهم وتحليل البيانات اللغوية بدقة، حيث ظهر وهو يرتدي الزي السعودي ومنسوج عليه اسمه الجديد ويبدو أنه مصمم بطريقة مختلفة، حيث يعتبر قفزة نوعية في التفاعل الآلي والذكاء الاصطناعي.
فقد حقق الذكاء الاصطناعي فوائد كبيرة للسعودية في مجالات متعددة، أبرزها الطب والعلوم والصناعة والزراعة، وأسهم في توفير الوقت والموارد والجغرافيا وإدارة الموارد الطبيعية بشكل أفضل ووصولاً إلى رفع مستوى القوى العاملة. فالقدرة والإرادة الملهمة في السعودية قد تمكنت من الدخول بقوة لعصر المعرفة بإمكانيات رفيعة واستطاعت توفير العلم والإمكانيات للتحول الرقمي، حيث يمكننا رصد الأدوار المتعاظمة التي أصبحت تلعبها الروبوتات وإسهامها في تحقيق العديد من الفوائد عبر التطبيقات الحالية والمستقبلية للذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. وعلى سبيل المثال لا الحصر روبوتات الحج التي تم توظيفها عبر تقنيات مبتكرة لخدمة ضيوف الرحمن ودورها في تسهيل مناسك الحج وتحسين تجربة الحجاج، حيث نجحت الروبوتات المستخدمة في توجيه الحجاج وتوزيع مياه زمزم وتطهير المساحات، بالإضافة لمجموعة متنوعة من المجالات، كخدمة العملاء والتفاعل معهم والإجابة على استفساراتهم، وتوظيفه في التعليم والتدريب والترفيه.
وتعتبر مدينة نيوم شاهداً ومثالاً عالمياً على دمج الابتكار الحقيقي في البنية التحتية للمدن التي تعتمد على التقنيات الذكية، حيث نجحت السعودية ومن خلال توفر البيانات والتقدم التكنولوجي إلى تطوير النماذج التوليدية من الروبوت السعودي الذي أنتج نقلة نوعية بدأنا نتلمس أثرها من حولنا. وقد يذكر البعض تلك الضجة التي حدث قبل أعوام قليلة عندما تم تجنيس «صوفيا» كأول روبوت يحمل الجنسية السعودية والتي امتلكت قدرات مدهشة في تفسير المشاعر والتفاعل مع البشر.
ولعل حجم الاستثمارات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي السعودي والتعاون الخلاق مع الشركات العالمية المتخصصة في إنتاج الروبوتات عبر محاكاة الذكاء التوليدي يعبر عن الجهود الكبيرة والرغبة في تطوير هذه التقنيات الحديثة ويحكي عن الشغف لإنتاج تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة المجتمع.
لتشكل الروبوتات السعودية خطوة جبارة نحو المستقبل وقفزة شغوفة نحو التقدم لعالم صار يمزج بين الذكاء الإنساني والآلة التي صارت تشكل حياتنا ومستقبلنا.
كل هذا الجهد العلمي الخلاق سينتج ثراء معرفي وابتكارات تقنية تقود البلاد لمستقبل رقمي مستدام.
وعلى الرغم من الإيجابيات العديدة التي أفرزتها ثورة الذكاء الصناعي التوليدي إلا أنني على ثقة تامة بأن الخبراء والمطورين السعوديين والخبراء سيعملون على تلافي السلبيات الناجمة من هذه التكنلوجيا الحديثة وتقديم نموذج توليدي للعالم يحمل القيم والمبادئ الإسلامية التي تتمتع بها السعودية ويعكس تأثيرها الإيجابي على الوطن العربي. لتبقى التحديات والتطورات المستقبلية في إمكانية تطوير الروبوت بشكل مستمر لتحسين أدائه وتوسيع قاعدة معرفته وتطوير ميزات إضافية، مثل التعرف على الوجوه والتفاعل مع البيئة المحيطة أمراً ممكنا في هذا التسارع التكنلوجي.
فهل صارت السعودية تسابق نفسها؟ أعتقد أن نتيجة هذا السباق سيعود بخير وفير للأمتين العربية والإسلامية، فالتأثير الذي تبثه «رؤية السعودية 2030» في محيطيها العربي والإقليمي جد كبير وملهم.