د. عبدالحق عزوزي
نظم طلبة الجامعة الأورومتوسطية بفاس، وبتأطير من كرسي تحالف الحضارات الذي أترأسه منذ أيام بمقر مجلس النواب المغربي، القمة الأولى للشباب الأفارقة والأورومتوسطيين، جمع طلبة من أزيد من ثلاثين دولة تناولوا مواضيع شتى من قبيل الانفتاح الأطلسي والشراكة متعددة الأطراف ومواجهة تحديات المستقبل...
وللذكر فإن التعاون بين المملكة المغربية ودول المنطقة، خاصة في إطار مشاريع أطلسية -إفريقية متنوعة، ليعد طريقا آمنا للاندماج الجهوي، والإقلاع الاقتصادي المشترك، وتشجيع دينامية التنمية.
فالخطاب الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء ركز على أهمية تعاون جنوب- جنوب مبني على قيم كونية من قبيل التضامن والدعم المتبادل والانفتاح في سبيل تحقيق كل ما تنتظره قارتنا... كما أن تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي ليعتبر استراتيجية حكيمة تتوفر على الإمكانات اللازمة من أجل تحرير القدرات الهائلة لشركاء الساحل.
كما يمكن أن نشير في هذا الصدد إلى مشروع أنبوب الغاز نيجريا-المغرب كمشروع رائد سيمر بعدد من البلدان جنوب الصحراء، وهو يدخل في إطار استمرارية الجهود التي تبذلها المملكة من أجل إفريقيا مزدهرة، في إطار مبادرات رائدة توفر إمكانات غير مسبوقة، من شأنها تعزيز الاندماج والتعاون الإقليميين.
وقد كان لهؤلاء الطلبة، وهم قادة المستقبل، الفرصة لإسماع صوتهم وإشراكهم في هاته المبادرات الرائدة، من قلب البرلمان المغربي موازاة مع القمة الثامنة لرؤساء البرلمانات والدورة 17 للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، حيث قرأوا أمام الشخصيات البرلمانية المتوسطية والعالمية إعلان المستقبل الذي تصوروا فيه نظرتهم لما يجب أن يكون عليه العالم، حيث ألحوا على ضرورة تعزيز التعاون بين إفريقيا وأوروبا من منظور منفعة الجميع في إطار رابح-رابح، وتحويل الأقوال إلى أفعال في مجال المناخ؛ فهناك تغييرات مناخية لها تداعيات مباشرة على كوكبنا خصوصا على الزراعة والأمن الغذائي، وارتفاع نسبة الفقر خاصة في الدول الإفريقية؛ فإجمالي التساقطات ينقص بنسبة كبيرة جداً مقارنة بالمستويات الاعتيادية؛ وهذا النقص الشديد في التساقطات المسجل بعد فصول الربيع جد الجافة والمصحوب بموجات حر شديد يؤدي إلى تفاقم تجفف التربة؛ فيجب حسب إعلان الشباب تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي إلى منظومة طاقة نظيفة، ومنح المساعدات المالية التي وعدتها قمم المناخ السابقة للدول النامية خاصة في إفريقيا التي لا تساهم إلا بـ4% في نسبة تلوث المناخ ولكنها تدفع غالياً فاتورة الاحتباس الحراري؛ كما دعا الشباب البرلمانات المجتمعة لإحداث مشروع مارشال في القارة في مجال الاستثمار في العامل البشري وتشجيع البحث العلمي والابتكار، والانخراط في اقتصاد ومجتمع المعرفة والاتصال، وإعطاء نفس جديد لنظام البحث العلمي والتقني في القارة الإفريقية بتعاون مع الفضاء الأورومتوسطي، وهذا سيسمح لا محالة بإحداث قطيعة مع الفقر والإرهاب والهجرة غير الشرعية.
وبدون الاستثمار في العامل البشري، تضيع مصالح الشعوب والأجيال. فدول كالهند واليابان وكوريا الجنوبية التي لا تملك أي موارد طبيعية استثمرت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في المورد البشري فأصبحت دولاً متقدمة وأصبح البحث العلمي فيها متطوراً وغدت دولاً يضرب بها المثل.... فمن مسؤولية الجميع اليوم الاستثمار في العقول والإقدام على اتخاذ قرارات شجاعة لتحقيق الملاءمة بين التكوين العلمي والمهني والتقني وبين مستلزمات الاقتصاد العصري، وتشجيع البحث العلمي والابتكار، والانخراط في اقتصاد ومجتمع المعرفة والاتصال، وإعطاء نفس جديد لنظام البحث العلمي والتقني من خلال تبني استراتيجية كفيلة بتأهيل البحث العلمي والتقني الوطني، وجعله في خدمة التنمية.
إن تنمية المهارات والعلم والبحث والتنمية والابتكار هي المفتاح الذي يسمح لدولنا بفرص ربح معركة التنافسية، وبالتالي معركة العولمة. ويتطلب التحدي من هذا النوع اعتماد نظام تعليمي قوي وذي جودة، كما يتطلب رؤية واضحة في مجال التنمية التكنولوجية، وهذا هو الأساس لتحقيق القوة الذكية؛ والقوة في القرن الحادي والعشرين لا يعني عدد الرؤوس النووية التي تتوفر عليها البلدة أوكيف تحافظ على السيطرة العسكرية بل يعني ذلك إيجاد طرائق للجمع بين الموارد في استراتيجيات ناجحة في مجال التنمية والابتكار.