سهوب بغدادي
هل سبق أن سألك شخص كيف حالك؟ وكان ردك عليه «طيب، أو بخير، أو الحمد لله» وفي ذات الوقت الذي أجبت فيه بتلك الكلمة، كانت لديك إجابة أخرى إلا أنها غير معلنة وأسكنتها في جنبات نفسك، تصارع الغصة اللئيمة وتحارب نفسك المثقلة بالهموم- حمانا الله وإياكم- نعم، لا يكاد يفر شخص من هذا السؤال أو الإجابة، حتى أضحى الأمر روتينيًا ومجاملة وشيئاً عابراً، والأسوأ من ذلك كله، أن يعلم الطرف المقابل أن الشخص ليس على مايرام ويستشف الشعور ويطلع على الألم المقابل له، إلا أنه يتخذ القرار بعدم الاكتراث، لأسباب مقبولة وغير مقبولة، هناك مصطلح إنجليزي Sonder وهي اللحظة التي تشعر وتستوعب فيها أن كل شخص غريب أو عابر في أي مكان يمتلك حياة كاملة ومليئة بالأحداث المركبة حزينة كانت أم مفرحة، فذلك الغريب ليس بغريب إن صح التعبير، فبعض الغرباء أقرب لك من القريب، وبعض الأقرباء غرباء، هذه الحياة! الجميل في الموضوع أن الفاصل بين المسافات مجرد اختيار، أو قرار، أو خطوة، أو رسالة، وما إلى ذلك من الأفعال التي يتخذها الشخص من قرارة نفسه، إنها ليست دعوة للسوداوية بل نداء علني للعالم أن يكون أكثر لطفًا ورحمة بذلك الشخص المنطوي على ذاته «النفسية» أو «المنفس، أو العصبي، أو من يقود سيارته بطريقة مستفزة، جميعهم أشخاص غير مستنكرين ونعرفهم جيدًا، ونعترض طرقاتهم بشكل يومي، وقد يكون الشخص ملازمًا لك في المنزل، والأصعب أن يكون أقرب شخص لك «أنت» فتستنكر ذاتك ولا تعرفها وتصدر عنك تصرفات لم تكن لتتبادر إلى مخيلتك، «كلها فترة وتعدي على خير»، والزمن كفيل ببعثرة صفحات كثيرة، ولكن ما يبقى الود والتعامل الطيب، جميعنا نخاف من إعادة سؤال كيف حالك أكثر من مرة أو الإصرار على معرفة حال الشخص حقًا، لتلافي تلك الدموع المنفجرة، أو التشكي، والإحساس بالعجز وقلة الحيلة بعدها، إلا أن بعض الإشكاليات لا تتطلب سوى التواجد فقط، أن تكون حاضرًا في إخفاقاتي ونجاحاتي، حركاتي وسكناتي، عندما تاب الله على كعب بن مالك بعدما تخلف عن تبوك دخل المسجد مستبشرًا فقام إليه طلحة يهرول واحتضنه، قال لا أنساها لطلحة، كذلك، دخلت امرأة من الأنصار على عائشة في حادثة الإفك وبكت معها كثيرًا دون أن تنطق كلمة، قالت عائشة رضي الله عنها، لا أنساها لها.