محمد سليمان العنقري
منذ عقود لم يشهد الشرق الأوسط الاستقرار ويعتبر إنشاء الكيان الإسرائيلي منذ عام 1948 سبباً رئيسياً في جل الحروب والأزمات في المنطقة فهي دولة احتلال ولم تقدم نفسها بما يدل على أنها ستجنح للسلام الدائم وذلك بسبب رفضها قيام دولة فلسطينية فحتى عندما وقعت اتفاق أوسلو لم تعترف إلا بسلطة وطنية فلسطينية وعملت على ترسيخ الانقسام الفلسطيني لكي تقول للعالم إنه لا يوجد طرف واحد نفاوضه لكنها اليوم تواجه واقعاً مختلفاً حيث إن الشرق الأوسط أصبح بعد ما حدث من فوضى في عدد من دوله منذ 14 عاماً يبحث عن الاستقرار وإنهاء كل الأزمات والخلافات وذلك لضرورات تتعلق بأهمية التركيز وتسخير كل الإمكانيات للتنمية المستدامة وحتى حربها على غزة أكدت للعالم كله أن لاسبيل لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني واستقرار المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
فالواقع الدولي فرض معطيات جديدة مع ظهور قوى عظمى لها توجهات مختلفة عن الغرب في نظرتها للعلاقات دولياً ومع الشرق الأوسط تحديداً إذ تخشى أميركا من أن سياساتها بدعم إسرائيل المطلق وكذلك دعم نشر الفوضى بالمنطقة أصبحت تهدد مصالحها فالمنافس الصيني والروسي قدما أنفسهما كشركاء بهدف إقامة علاقات اقتصادية وتجارية وبادرا بتقديم رؤى لاستقرار الشرق الأوسط وعززا النظرة لهما كدولتين حليفتين للمنطقة وتهدفان لنزع فتيل الأزمات وتحديداً المبادرة الصينية في الوساطة لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران فهي قدمت نفسها ليست كدولة عظمى اقتصادياً بل أيضاً سياسياً وتريد أن يستقر العالم ويركز على التنمية والتجارة بشكل أساسي في دول الجنوب لتكون منافسة لدول الشمال ولذلك بدأت أميركا ومعها الغرب الأوروبي يتحدثون عن ضرورة استقرار المنطقة وأصبح حديثهم عن حل الدولتين في القضية الفلسطينية يتكرر شبه يومياً وذكرت أميركا وبريطانيا وفرنسا أن الاعتراف بدولة فلسطينية أمر وارد ويدرس وحثوا إسرائيل على القبول بذلك بل إن وزير خارجية أميركا قال إن الفرصة سانحة لتندمج إسرائيل مع دول الشرق الأوسط وهي إشارة إلى أن لاسبيل لها بالأمن والتنمية إلا بأن تدخل بعملية سلام تقوم على حل الدولتين، لكن تصريحات القادة الإسرائيليين كلها ترفض إقامة دولة فلسطينية بينما يريدون سلاماً مجانياً وهو أمر مرفوض دون حل الدولتين فهو السبيل لإنهاء واقع مأساوي لشعب محتلة أرضه وينكل فيه يومياً وأيضاً لكي تتوقف عملية استغلال هذه القضية من أطراف منتفعة من المتاحرة فيها مما غذى ظهور مليشيات في عدة دول على إيقاع نغمة المتاجرة بقضية فلسطين والتي تعرت بحرب غزة من خلال مواقفهم وردات فعلهم التي بينت ضعفهم وأن لا هدف لهم إلا السيطرة على الدول التي يعبثون باستقرارها وحولوها لدول فاشلة بحكومات ضعيفة وانفلات اقتصادي وأمني.
لكن هذا الرفض الإسرائيلي عند النظر بعمق لواقع القضية الفلسطينية المتشعبة وطبيعة إنشاء دولة إسرائيل وسبب صمودها القائم على الغطاء الغربي عسكرياً وسياسياً واقتصادياً لا يمكن أن يحقق لها الاستقرار على المديين المتوسط والبعيد ولا حتى القريب ولا يمكن لدولة تستمد بقاءها من الخارج أن يكون لها مستقبل أو قدرة على الاستمرار تحت هذا الدلال الغربي إلى الأبد ولذلك يمكن اعتبار تصريحات قادتها ونتنياهو على رأسهم برفض قيام دولة فلسطينية أنه عملية استغلال وابتزاز للغرب تحديداً في مماولة لتحقيق مكاسب كبيرة مقابل الاعتراف بدولة فلسطينية فهم يعلمون بنهاية المطاف أن تهديداتهم بالتهجير وقيامهم بأعمالهم الإجرامية التي تتم في غزة لن تنهي القضية الفلسطينية بل ستصبح دولة منبوذة ليس بالمنطقة فقط بل حتى عالمياً ويلاحظ التوترات التي ظهرت بعلاقاتها مع بعض الدول الأوروبية والبرازيل وغيرهم الرافضين لما تقوم به بغزة فكل ما يحاولون إيصاله من رسائل لا يعدو أكثر من حرب نفسية ولا يعكس الحقيقة بأنهم دولة بلا مستقبل إذا لم تقبل بمعادلة الاستقرار بالشرق الأوسط والاندماج في مشروع التنمية بالمنطقة.
التنمية لن تتوسع بدول المنطقة إلا بالاستقرار ومفتاحه السلام القائم على حل الدولتين وإسرائيل سترى أن خياراتها محدودة مستقبلاً لكي تحافظ على أمنها واقتصادها ولن يفيدها الابتعاد عن السلام العادل ولا افتعالها للحروب على الفلسطينيين أو دول الجوار فهي من سيحترق بنار الفوضى والتغيرات التي تجري بموازين القوى بالعالم ستفرض عليها معطيات تجبرها على الاعتراف بدولة فلسطينية وفق المبادرة العربية فالغرب أصبح يبحث عن مصالحه بالمنطقة من جديد بعد ظهور قوى كبرى منافسة له مختلفة معه بالتوجهات وبالتأكيد المصالح وساعية للسلم والاستقرار.