د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
ضمن إستراتيجية 2030 تنويع الاقتصاد، إحدى السمات الساعية لإثبات أن السعودية لديها القدرة على المنافسة في سوق صناعة الدفاع عالمياً، باعتبارها أكبر اقتصاد عربي، حيث تجد في إبراز نفسها من خلال المعارض في نسخته الثانية من معرض الدفاع العالمي المقام بالرياض الذي انطلق في 4-2-2024 بمشاركة أكثر من 750 جهة عارضة من أكثر من 45 دولة يشكل فرصة لاستكشاف الفرص عبر تقديم منتجات عسكرية تنافسية، ليرسموا ملامح مستقبل الدفاع عبر استعراض الابتكارات الناشئة والمتطورة خلال العقد المقبل، وتقديم أحدث المنتجات والقدرات المتطورة للباحثين والشركات الناشئة، لإلهام أجيال المستقبل من الكوادر الوطنية لإبراز السعودية بصفتها مركزاً للفكر في مجال الصناعة الوطنية على الصعيد الدولي، مكنها من الفوز بعقد صفقات لتذليل التحديات التي تواجه الصناعة بشكل عام في السعودية، وبشكل خاص في الصناعات الدفاعية، على رأسها أهمية وجود قاعدة صناعية، وللتغلب على هذا التحدي تتبع السعودية إستراتيجية تحول تشهد زيادة سريعة في التصنيع المحلي، وإقامة شراكات مع شركات الدفاع الدولية لبناء الثقة، باعتبار السعودية محطة وموقع للتصنيع، بل إن اختيار الشركات يتماشى مع منظومة البحث والتطوير والابتكار، خصوصا وأن السعودية اتجهت إلى جذب الكفاءات وإعطائها محفزات للاستثمار، وخصوصاً أن الشركات تستفيد من الصناعات الأساسية المتوفرة داخل السعودية الراغبة في الاستثمار داخل السعودية باعتباره ميزة نسبية متوفرة تقلل من تكاليف التصنيع بجانب الموقع اللوجستي للسعودية الذي يتغلب كثيراً على معوقات سلاسل الإمدادات العالمية التي تعد من العوامل المهمة في تعزيز التنافسية في التصنيع.
يمكن أن تشهد صناعة دفاع محلية ناضجة دوراً رئيسياً في تنويع الاقتصاد وتوطين الصناعة بشكل خاص، وتقليل الاعتماد المفرط على واردات النفط، وفي نفس الوقت تقليل الاعتماد المفرط على استيراد السلاح الأجنبي، بل تود السعودية ليس فقط في تحقيق إستراتيجية تحقيق تصنيع محلي 50 في المائة بحلول 2030، بل هي أيضا تود أن تقوم بتصدير أسلحة إلى الخارج، ما يعني أن تكون هذه الأسلحة المصنعة محليا أسلحة ذات تنافسية عالمية.
لذلك تصر السعودية على تصنيع المكونات والتجميع النهائي داخل السعودية، تركز على أنظمة الأسلحة البرية والجوية والالكترونيات الدفاعية والصواريخ، ولمعالجة نقل التكنولوجيا المتقدمة التي تعد من أبرز التحديات التي تواجها السعودية لذلك لجأت إلى إقامة مثل هذه المعارض التي تعالج هذه التحديات، لأن السعودية لديها طموح بأن تكون لاعباً رئيسياً في صناعة التقنية، وليس فقط بناء صناعات مبنية على التجميع.
تهدف شركة سامي الدفاعية توفير أكثر من 40 ألف وظيفة بحلول 2030، وتضيف 60 مليار ريال إلى الناتج المحلي في 2040، بهدف توطين القطاع عبر تحفيز مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة لتقوية القطاع الخاص، وتعزيز الصادرات، وتحقيق قدرات صناعية جديدة، من أجل بناء قاعدة صناعية راسخة ومتنوعة تحقق الأولويات الوطنية الرئيسية المتمثلة في التوطين.
شهد معرض الدفاع صفقات وعقود تضمنت تصنيع وتوطين منظومات دفاعية واتفاقيات للتصنيع المشترك، إضافة إلى شراكات متنوعة في القطاع الدفاعي، بما في ذلك شركتي إيرباص ولوكهيد مارتن إضافة إلى ليوناردو الإيطالية التي تعمل في مجال الفضاء والدفاع والأمن وبي إم سي الأميركية لتكنولوجيا المعلومات وروكيتسان التركية لتصنيع الأسلحة، فإن هذه الاتفاقيات ومذكرات التفاهم تأتي في سياق تحقيق الأهداف الإستراتيجية للصناعات العسكرية في السعودية لرفع الجاهزية العسكرية، وتعزيز المشاركة الصناعية التي تهدف لتعزيز بناء القدرات النوعية في المجالات المستهدفة مثل نقل وتوطين التكنولوجيا، وبناء خطوط إنتاج محلية، وتحويل السعودية إلى مركز لوجستي إقليمي وعالمي فيما يتعلق بالصناعات الدفاعية.
تهدف السعودية إلى تعزيز الاستقلالية الإستراتيجية، وتطوير قطاع صناعات عسكرية محلية مستدام، لرفع كفاءة الإنفاق، فتوقيع السعودية مع شركة لوكهيد مارتن عقدين لتأمين مصدر ثان لتصنيع أجزاء محددة في نظام الدفاع الجوي الصاروخي للارتفاعات العالية التي تطلق عليها نظام ثاد وهي أكثر الأسلحة الصاروخية المتقدمة في العالم بعد عقد تصنيع حاويات صواريخ ثاد الاعتراضية ومنصات إطلاقها بالسعودية في معرض الدفاع العالمي في عام 2022، بالإضافة إلى أنه تمت ترسية عقود على شركة الشرق الأوسط لمحركات الطائرات في الرياض، والشركة العربية الدولية للإنشاءات الحديدية في جدة.
تركز السعودية على تطوير قدراتها العسكرية والأمنية من خلال الاستثمار في صناعة الطائرات بدون طيار والدرونز التي بدأت منذ 2012 مع إطلاق صقر من قبل مدينة الملك عبد العزيز والتقنية، وشهدت نموا مطردا في 2022 ، حيث وقعت السعودية اتفاقية مع شركة إنترا السعودية للتقنيات الدفاعية لتطوير وتصنيع طائرة بدون طيار إستراتيجية تحمل اسم سموم، إضافة إلى توقيع اتفاقية مع مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات الصينية ( CETC) لبناء مصنع للطائرات بدون طيار، وهناك اتفاق بين شركة التميز السعودية وشركة أبروبوتيكس الأميركية لإنشاء بنية تحتية خاصة بصناعة طائرات مسيرة مدنية تستخدم الذكاء الاصطناعي لمراقبة الطرق السريعة ومتابعة الكوارث والفيضانات وهي مزودة بتقنيات تمكنها من قياس ارتفاع منسوب المياه والتقاط صور توضيحية للمكان المراقب، يأتي هذا التحالف لهذه الصناعة بعد أسابيع من إبرام الرياض وأنقرة اتفاقا آخر لتصنيع الطائرات العسكرية المسيرة.
تعتزم شركة إنترا على جعل السعودية أحد أفضل الدول التي تقوم بصناعة هذا النوع من الطائرات من أجل ريادة العالم لأنها حريصة على تصنيع نماذج حديثة مختلفة عن الموجود في السوق العالمي، من أجل أن تنفرد السعودية بأنواع ونماذج مبتكرة وحديثة، وتود أن تكون الأولى عالمياً في صناعة تقنيات الطائرات بدون طيار مستفيدة من وجود جميع الخامات المستخدمة في الصناعات، بما فيها تصنيع الأنظمة الالكترونية والقطع الميكانيكية وهياكل الطائرات باستخدام المواد المركبة والتصنيع والاختبارات النهائية للطيران، حيث تشهد هذه الصناعة العسكرية والمدنية تطوراً متسارعاً تزامن مع أنظمة وتشريعات تنظم استخدام تقنياتها في مجالات عدة منها التوصيل للمنازل.