العقيد م. محمد بن فراج الشهري
أضحى تحقيق السلام في الوقت الراهن مطلباً ملحاً. في ظل تفاقم الصراعات والنزاعات الدولية وبروز أسلحة فتَّاكة، إضافة إلى تعقد القضايا الدولية، وتنامي المخاطر الدولية العابرة للحدود (تلوث البيئة، وندرة المياه، والإرهاب والأمراض الخطيرة، والجرائم الرقمية). فقد تبيَّن تحت وقع الكثير من الأحداث والنزاعات والأزمات أن السبل التقليدية لتعزيز السلام لم تعد كافية، وهو ما أصبح يفرض ضرورة بلورة سبل مستدامة ومتطورة ومنفتحة لمواجهة هذه التهديدات المعقدة.
وقد شهد مفهوم القوة بوصفها تحيل القدرة إلى التأثير في القرارات والآراء والسلوكيات الدولية، تطوراً كبيراً في العلاقات الدولية، ووعياً بالكلفة التي ينطوي عليها استخدام القوة الخشنة في سبيل تحقيق الأهداف والمصالح، فقد بدأ الميل بشكل كبير إلى توظيف آليات القوة الناعمة بعناصرها الثقافية، والفنية، والروحية والعلمية، والرياضية في تحقيق هذه الرهانات على أساس أنها تقوم على الإغراء والإقناع بدل الإكراه والزجر. كما أن وظيفة الدبلوماسية، في الوقت الراهن أضحت فناً وعلماً، ولم تعد مقتصرة على نسج وتعزيز العلاقات التقليدية، بل أصبحت تستأثر بمجموعة من المهام الجديدة التي فرضها تطور العلاقات الدولية، من قبيل الإسهام في تدبير الأزمات المختلفة، وجلب الاستثمارات وتشجيع السياحة، وتعزيز المصالح العليا للدولة، وكذا الإسهام في حفظ السلم والأمن الدوليين في عالم يعج بالتحديات والمخاطر. في هذا السياق، تبرز أهمية توظيف المداخل الناعمة لكسب هذا الرهان الإنساني، سواء تعلق الأمر بالفن أو الثقافة، أو الرياضة ولا تخفى أهمية الرياضة في تلطيف الأجواء السياسية وتفريغ الطاقات وتنشئة الفرد على التعايش داخل المجتمع وفي هذا السياق أضحت كرة القدم من أكثر الألعاب شعبيةً وانتشاراً تستقطب اهتمام مختلف الفئات داخل المجتمع نساءً ورجالاً فقراء وأغنياء؛ كباراً وصغاراً، وكذلك اهتمام وسائل الإعلام المحلية والدولية. ويشرف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) الذي أسس عام 1904 على 211 اتحاداً وطنياً في هذا الصدد، فيما تصاعدت العائدات المالية لهذه الرياضة التي أصبحت تفوق بمواردها ميزانيات عدد من الدول؛ حيث تتعزَّز خلال بطولات كأس العالم (مداخيل النقل التلفزي، والإشهار، وتذاكر دخول الملاعب..)، وهو ما جعل هذه اللعبة الشعبية تغري بفرصها الكثير من السياسيين والمستثمرين على امتداد مناطق مختلفة من العالم. هكذا، أضحت الكثير من الدول تستثمرها كما هو الشأن بعدد من الرياضات الأخرى، كسبيل لتعزيز سياستها الخارجية.
وعقب حصول المغرب على ميداليتين في ألعاب القوى بالألعاب الأولمبية/ لوس أنجلوس عام1984م. عد الملك الراحل الحسن الثاني أن المغرب أصبح معروفاً أكثر بالبطلين (سعيد عويضة)، و(نوال المتوكل). كما أسهم وصول المنتخب المغربي لكرة القدم إلى الدور نصف النهائي ضمن فعاليات كأس العالم عام 2022 في ارتفاع عدد السياح الذين زاروا المغرب، حيث تتيح المناسبات الرياضية فرصاً للقاء الجماهير من مستويات اجتماعية وتعليمية وأعراق وديانات مختلفة، كما تسمح أيضاً بالتسويق للمنتجات الصناعية الاستهلاكية، وتمرير الرسائل والقيم، والإسهام في التنشئة الاجتماعية. كذلك عملت المملكة العربية السعودية ممثلةً في وزارة الرياضة أعمال مذهلة في الأعوام الأخيرة ابتداءً من عام 2022م و2023م وصولاً إلى العام 2024م حيث عملت على استقطاب أساطين الكرة في العالم وطعّمت بهم النوادي وكذلك استقبلت العديد من الفعاليات الكبرى على أراضيها فأصبحت معروفة لأغلب سكان المعمورة وليس الشرق الأوسط فقط في وقت وجيز وضمن خطط مدروسة بدقة وعناية. وقد عرفت الكثير من الدول والمجتمعات برياضييها، كما استطاعت الكثير من البلدان تحقيق مكتسبات عدة بفضل الرياضة، كانت لها انعكاسات إيجابية على مناطق وفئات اجتماعية مختلفة. إن الحصول على جوائز رياضية عالمية يتيح التسويق للبلد وصورته الحضارية، كما لا تخفى أهمية انخراط عدد من الأندية الرياضية الدولية أو بعض الرياضيين المشهورين في بلورة مبادرات إنسانية تدعم الوعي بمآسي بعض الفئات الاجتماعية المظلومة، أو المهمشة، أو بمخاطر بيئية تهدد الإنسانية، أو بمعاناة إنسانية مختلفة (تمييز عنصري، فقر، حروب، أمراض..)، بما يسهم في لفت النظر إلى هذه القضايا. وتشكيل رأى عام دولي واسع مواكب ومؤثّر في هذا الشأن. وقد تنبهت الكثير من المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، إلى الانتشار الكبير الذي أصبحت تحظى به الرياضة بمختلف أصنافها في أوساط الشعوب والاهتمام الذي تلاقيه في الأوساط الإعلامية، والاقتصادية، والسياسية بما يجعلها قادرة على تلطيف العلاقات بين الدول والتقريب بين الشعوب وخدمة السلام العالمي، في عالم متشابك ومثقل بالتحديات وقد سبق للجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة أن عدت ضمن قرارها رقم 60-1 لعام 2005 أن بإمكان الرياضة أن تسهم في تحقيق الأهداف الإنمائية، قبل أن تجعل من تاريخ 6 أبريل من كل عام يوماً دولياً للرياة، من أجل التنمية والسلام بمقتضى قرارها رقم 67-296 لعام 2013. ومثلت بطولة العالم لكرة الطاولة (البنج بونج) التي انعقدت باليابان عام 1971 مناسبة جيدة لتلطيف الأجواء المشحونة بين الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية؛ بمعنى أن الرياضة أصبحت وسيلة من وسائل تعزيز السلام العالمي.