د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
نتفق أن الواقع التعليمي اليوم لا بد فيه من مؤسِسات ومتكآت متينة لصناعة مستقبل مستدام يصنع عدة التعلم وعتاده؛ ويدعم العملية التعليمية التي هي المنبع الأول لمنح الطلاب القيم العليا والمعارف والميول والكفايات اللازمة ليمتلكوا التفكير المستقل الخصب المبتكر وكذلك تحفيزهم على قيادة مفاصل التنمية في قادم مستقبلهم دون وجل! حيث إن التعليم ركيزة أساسية للإمداد وحيث تشكل المنعطفات التي مر بها التعليم تجارب نمو لا تُنسى تجعلنا قادرين على تقييم المنجز التعليمي ورصد الفرص الجديدة؛ ومفتتح ذلك التمرس هو الانفتاح الفكري بما يعزّز الوعي بالإمكانات والمعارف، كما يُحسّن من المقدرة على دمج المعارف والخبرات وبما ييسر التعامل مع التحديات في الحاضر والمستقبل، ولا يمكن لذلك كله أن يُنفذ دون معيارية شاملة للمنتج والمنفذين والبيئات التعليمية (تكدس الطلاب، والعجز في المعلمين المتخصصين وفي كل ذلك نأي عن المستهدفين وحاجاتهم الحقيقية واحتكام للقليل من المستهدف وتعليق النتائج عليهم،، وبالتالي مخرجات غير موثوقة تحتاج إلى تسوية أولاً وآخراً، كما تحتاج إلى حُزَم من المعارف الذهنية؟! وإذا ما سلّمْنا يقينا وواقعا بالقدرة التحويلية الكامنة في التعليم؛ وأن تطوير التعليم مشروع لا يمكنه الانتظار، وأن الحظ يختفي حتماً من معادلة المستقبل التعليمي؛ فإنه لا تعليم دون عمل مدروس ذي تخطيط ممنهج متفوق يسفرُ عن مخرجات مشرقة من المبتكرين والعلماء من وادي عبقر الذي نُسبتْ إليه العبقرية كمفهوم لضرب الأهداف السامية..
وفي حاضرنا اصطفتْ منصات التحول الرقمي للمعرفة وزاد عدد الباحثين في الجامعات ومازال الإعلام يصدح بأن حيازة المزيد من حملة المؤهلات العليا تعني تسريع وتيرة التقدم الاقتصادي! ولكن قد لا نجزم بأن هناك مزيداً من الاكتشافات، بل إن تضخم المؤشر قد يربك تكامل النظام التعليمي وانسيابية الاستفادة الموجهة من الكوادر البشرية، ولعل في تنويع الأنظمة في مؤسسات التعليم والجامعات خاصة واختلاف مناهج البحث ومساراته إسهام في منع التشابه الذي قد يؤدي إلى قتل الابتكار ويفضي إلى الركود البحثي لأن البحث العلمي سراج العلماء؛ كما يمكن البحث عن موضوعات جديدة من مستراد الأبحاث القائمة ومن خلال النتائج المتضاربة التي تستحق مزيداً من التحقق حيالها، ويجدر بالقائمين على الدراسات العليا ومراكز البحث العلمي في الجامعات بناء معايير ومؤشرات إضافية للاقتباسات البحثية لكي تستطيع من خلالها صناعة تقييم أكثر دقة وشمولية وحتى يحصد الوطن علماء أكفاء يتمايزون فيما بينهم وأمام العلماء في العالم، ويسهمون في الحراك النهضوي الوطني والعالمي، ويتربعون في منصات الابتكار ليقوموا بالاستفادة من مخزونهم المعرفي بذكاء، وتسليط الأضواء على متطلبات الحاضر التعليمي والتنبؤ بفرص التحسين لأوجه القصور وإدراك المحتوى الأعمق لما هو معلوم لحيازة المستقبل المشرق -بإذن الله -، فمهمة التعليم باختصار تهيئة المتعلمين لآفاقهم المستقبلية فهم يحتاجون أكثر من أي وقت مضى إلى ذلك النوع من التعليم الذي يؤهلهم للتفكير بأفق متسع؛ وإلى استحداث روابط غير عادية عبر كثير من المجالات.
وحتى لا يكون النجاح وتجاوز المرحلة والصف أقصى طموحاتنا نتمنى عدم تسطيح المنجز العقلي خلف جدران المؤسسات التعليمية وأن يتعالى تأصيل مفهوم الابتكار في دوائر المنجز التعليمي وفي فضاءات المجتمعات لارتياده والتسابق عليه...!