عبدالوهاب الفايز
وزارة التعليم بدأت منذ مطلع هذا العام الميلادي مرحلة جديدة من أبرز ملامحها: نقل كافة مهمات التشغيل والصيانة والمشروعات الإنشائية والدراسات والتصاميم ومراقبة الجودة المتعلقة بالمباني التعليمية والإدارية بديوان الوزارة وإدارات التعليم في (منطقتي الرياض، والمدينة المنورة)، وجدة، والأحساء إلى شركة تطوير القابضة (شركة تطوير للمباني).
عندما خرج هذا الأمر قال الظانون خيراً بالتعليم: هذا هو الوضع السليم.
وزير التعليم يوسف البنيان، في لقائه مع أعضاء جمعية كتَّاب الرأي الأسبوع الماضي، تحدث عن أمور عديدة وبكل صراحة وشفافية. ووقف مطولاً عند التوجهات والأهداف الإستراتيجية القريبة والبعيدة التي تتطلع إليها الوزارة من التحلل والتخفف من الأمور التشغيلية اليومية. وفي الحقيقة كان تفريغ الوزارات للمهمات القيادية الأساسية موضوع محل تداول للرأي منذ عقدين من الزمن بالذات الوزارات الرئيسية مثل وزارة التعليم. القيادات التعليمية لمست تداخل الأمور واختلاط الإستراتيجي بالتنفيذي، فهذا يجعل الوزارة الحكم والخصم في أمور سيادية مثل المناهج. وكانت قيادات الوزارة هي من طالب بفصل المهمتين، التنظيمية عن التنفيذية. وفعلا، حدث تطور نوعي مثل تحقق قيام هيئة متخصصة لتقويم التعليم والتدريب، وغيرها.
موضوع فصل التشغيل عن نطاق عمل الوزارة تأخر كثيرا وكان من أهداف قيام شركة تطوير تولي الأعباء التشغيلية، بالذات صيانة وتشغيل المرافق التعليمية التي يتجاوز عددها 20 ألف مدرسة ومرفق.
الوزارة كانت مثقلة بهموم وضع المناهج وهموم إدارة شؤون التعليم اليومية من نقل للطلاب وصيانة للمدارس وغيرها من المهمات التي تستهلك جهد القيادات التعليمية. مثلاً، في المدارس أتذكر تنظيم ندوة صحفية عام 1997 جمعت مدارس ثانوية ومتوسطة. ذكر هؤلاء أن 70 % من وقتهم وجهدهم يذهب إلى أمور الصيانة والتشغيل ومتابعة شؤون المقصف وترتيب الخروج والدخول، ولا يبقى للعملية التعليمية إلا القليل من الجهد. هذا الوضع غير الطبيعي وساهم في التأثير على كفاءة العملية التعليمية.
التوجه الإستراتيجي للتفرغ لأمور التنظيم ومتطلبات التشغيل مهمة صعبة ولا تتحقق بالأحلام والتطلعات. ذكر الوزير البنيان أن هذا التوجه تطلب مراجعه مدى كفاءة الجهاز الإداري في الوزارة. في تصوره، لا يمكن للوزارة أن تنهض بالأعباء المطلوبة وتواجه التحديات القائمة دون وجود كفاءات قيادية وكوادر بشرية متمكنة وممكنة. لذا الوزير لديه برنامج لإعادة ترتيب الأولويات لبناء الموارد البشرية، وبناء مسار تأهيل القيادات للصف الثاني، وأيضا ضرورة وجود الحوافز والإمكانيات التي تحقق للوزارة ما تتطلع إليه من كفاءة في الأمور الأساسية.
من الأمور المهمة التي تحدث عنها وزير التعليم وتحظى باهتمامه هو وضع المعلمين. ولدى الوزارة مبادرات جديدة مخصصة للمعلمين والمعلمات تستهدف الدعم والتمكين. أيضاً أوضح رؤيته لأهمية دور مدراء ومديرات المدارس. وتعزيز دورهم يتم عبر (قلب الهرم) في الأولويات بحيث يكون الطالب والمعلم والمدير في رأس الأولويات. مدراء المدارس ظل وضعهم وأدوارهم دون تحسين وتطوير فلا توجد المميزات والمحفزات والممكنات التي تساعدهم في مهمة الإدارة المدرسية. وهذا ساهم في إضعاف البيئة التعليمية، وربما يكون من عوامل تراجع مستوى التعليم العام. فالمدير هو القائد الميداني الذي يواجه التحديات ويرى عن قرب العوامل المؤثرة سلبا أو إيجابا على التعليم.
من الأمور التي تحدث عنها الوزير ضرورة معالجة الصورة الذهنية السلبية عن المعلم. هذا الأمر يعمل عليه ويعطيه الأولوية. هو يريد مشروع يُخرج (المعلم المختفي) اجتماعيًا ليكون صاحب المهنة النبيلة التي يفخر بها المعلم والمجتمع. وهذا الأمر مع الأسف هو حاله عربية، فتراجع مكانة المعلم واحترامه من عوامل تأخر التعليم في العالم العربي. رغم أن شاعر العربية الكبير شوقي خلد احترام المعلم في بيته المعروف.. (قم للمعلم وفه التبجيلا …). والتربويون يضعون مسرحية مدرسة المشاغبين بداية التراجع لمكانة المعلم!
هذا الوضع تم إهماله منذ سنوات حتى تراكمت مقومات الصورة النمطية السلبية، والإعلام المحلي ساهم ـ دون وعي ـ في تغذية هذه الصورة السلبية، وحتى الوزارة لم تعرف أهمية الإعلام التربوي الذكي الذي يعالج هذا الأمر. طبعا لا يمكن إسقاط عامل البيئة التعليمية، فبعض المعلمين العاملين في الإعلام هم من يُصدر للرأي العام معاناة الوظيفة التعليمية في المجتمع. وتراكم عرض المعاناة يساهم في توسيع عوامل الطرد من المهنة وتوسيع دائرة عدم الرضا الوظيفي.
وتحدث الوزير عن أمر عظيم.. وهو أهمية (إشراك الأسرة) في العملية التعليمية.
هو يتطلع إلى دور أوسع وأكبر للأسرة، ولديه المشاريع التي يعمل عليها لتعزيز هذا الدور. ونحن نقول: حتى تنجح جهود الوزارة في هذا المسار، لعلهم يدركون أن التحديات أمام الأسرة السعودية كبيره، ولن يتحقق دورها الحيوي دون إعادة هندسة للحياة الاجتماعية. ثمة تغيرات هيكلية في حياتنا في العقود الأخيرة أثرت على دور الأسرة الحاضن المساهم في التنشئة الاجتماعية. ولن أتوسع في هذا الأمر، ويكفي أن نرى جميعا كيف يسهر الطلاب إلى منتصف الليل!
تمدد ساعات العمل وتوسع المغريات والمناسبات الخاصة والعامة خارج المنزل أضعفت دور الأسرة. وإذا استمر توسع المغريات، فنخشى أن ينتهي دور الأسرة، وندخل في الحالة الفردانية (ما بعد الأسرة) وما يترتب عليها من أمور سلبية جوهرية.
ثمة مسار استراتيجي أشار إليه الوزير وهو مسار القيم. لدى الوزارة مشروع كبير لزرع القيم في ثقافة العمل في الوزارة.. ويتوسع إلى البيئة التعليمية. هذا الأمر نرجو أن يكون بين الأولويات وهذا ما يركز عليه برنامج القدرات البشرية. القيم ضرورة وطنية لتعليم الطلاب في سن مبكرة قيم التسامح والتعايش السلمي والتعاون. هذا ضرورة للحياة المعاصرة، فالطلاب عرضة لمل يدور في العالم، وأيضا حياة المدن الكبرى تجلب معها الكثير من التحديات على الشباب. نحن نرى توسع المشاجرات بين المراهقين والشباب وما يترتب عليها نتائج خطيرة.
كذلك تحدث عن أهمية دور القطاع الخاص وضرورة تسهيل الإجراءات. فالوزير مهتم بهذا المجال حيث تم تكوين مجلس للتنسيق، وهناك ترحيب من المستثمرين، وهذا الاهتمام سوف ينعكس على توسع الاستثمارات في قطاع التعليم. أيضاً اهتمت الوزارة بالقطاع غير الربحي حيث تم إنشاء (الإدارة العامة للمسؤولية المجتمعية والعمل التطوعي). والهدف هو تفعيل مسار القطاع غير الربحي والوقفي. في هذا المسار، لعل الوزارة تعمل على إعادة بناء (المقصف المدرسي) لتأسيس روح التعاونيات، ولتعليم الطلاب المدخل العملي لفهم روح العمل غير الربحي والتعاوني، وتدريبهم على الاستثمار والادخار وكل مكونات الثقافة المالية.
نتطلع إلى نجاح رحلة التحول، فهذا سيكون نقلة نوعية في الإدارة العامة، وسوف يرفع كفاءة عمل الوزارة ويخرجها من دوامة التنفيذ والمتابعة اليومية التي تستهلك أوقات وجهد القيادات. وهذا يواكب رغبه الدولة لرفع كفاءة أداء الوزارات، حيث تم التوسع في إنشاء الهيئات والمراكز الحكومية المتخصصة حتى تتفرغ الوزارات للمهمات الأساسية وتكون مراكز لصنع السياسات وبناء الإستراتيجيات والتنظيم والمراقبة والجودة ووضع اللوائح التنفيذية.