جانبي فروقة
اخترع مالكوم ماكلين (أمريكي) الحاويات البحرية، وقد طورها في منتصف القرن العشرين. وقبل ابتكاره، كانت البضائع تحمل بطرق غير فعالة مثل الأكياس والبراميل. وتطور النقل عن طريق الحاويات خلق ثورة في التجارة البحرية من حيث تقليل تكاليف ووقت النقل وساهم في زيادة حجم التجارة العالمية وفعاليته.
وفي ظل العولمة السريعة تعتبر المضائق البحرية أكثر من مجرد ممرات مائية بل هي شرايين حيوية تنبض بالتجارة الدولية وتؤثر على اقتصادات الدول مع حقيقة أن 90 % من التجارة العالمية تتحرك عبر المحيطات والبحار والتي تساهم بنحو 16 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ولذلك للمضائق مساهمة فاعلة في تحقيق التوازن الاقتصادي العالمي واعتدال كفة سلاسل التوريد.
ومن أهم المضائق المائية، مضيق هرمز والذي يربط الخليج العربي وبحر عمان ويمر عبره 20 % من النفط الخام العالمي ومضيق جبل طارق الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي ويمر عبره 12 % من التجارة العالمية ومضيق مالاكا والذي يربط المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي ويمر عبره 25 % من التجارة العالمية ومضيق بنما الذي يعمل بنظام القنوات الذي تمر عبره 5 % من التجارة العالمية ويربط المحيطين الهادي والأطلسي والذي يعاني اليوم بسبب ظاهرة النينو انخفاض نسبة المياه في الأنهر مما أدى إلى انخفاض عدد السفن التي تقطع مضيق بنما إلى 22 سفينة يومياً بينما كانت حوالي 40 سفينة يومياً، وتبحر اليوم حوالي 35 ألف سفينة عبر البحر الأحمر ناقلة للبضائع بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا وهذا يشكل 10 % من الناتج العالمي حسب ما قاله الرئيس التنفيذي لشركة درياد جلوبال البريطانية لاستشارات المخاطر والأمن البحري وقناة السويس البالغ طولها 192 كم يمر منها ما يقرب من 12 % من التجارة العالمية بما في ذلك 30 % من حركة الحاويات في العالم ويعادل ذلك ما قيمته تريليون دولار من البضائع.
الأعاصير السياسية تخلق عواصف تجارية وتخلق فوضى بحرية وتجعل المضائق تضيق شرايين التجارة العالمية فاليوم ونتيجة الحرب الروسية الأوكرانية يمتلئ البحر الأسود بالألغام والسفن الحربية المعطلة وبحر البلطيق وبحر الشمال يشهد حرباً خفية تتجلى في تخريب الكابلات والأنابيب وبدأت روسيا بعد الحرب بتشكيل أسطول الشبح (الأسود) الخاص بها والذي يتكون اليوم من تقريباً 500 ناقلة لنقل النفط الروسي للصين والهند عبر قناة السويس وقناة باب المندب مما أدى لازدياد عبور النفط بمعدل 140 % في البحر الأحمر وكما يمر في البحر الأحمر اليوم 8 % من الغاز المسال في العالم وكذلك يمر أيضاً 8 % (80 مليون طن) من إنتاج الحبوب في العالم وقد حققت مصر إيرادات تصل إلى 9.4 مليار دولار في العام الماضي من مرور تقريبا 26 ألف سفينة ولكن اليوم مع هجمات الحوثي نتيجة الغزو الإسرائيلي لغزة للسفن العابرة لقناة باب المندب الذي يبلغ عرضه 30كم ويمر منه ما يقارب من 33 ألف سفينة سنوياً والذي يربط البحر الأحمر مع المحيط الهندي فقد أعلنت أكبر 8 شركات شحن حاويات في العالم وهي COSOC SHIPPING, CMA CGM, YANG MING, EVERGREEN , MARESK , MSC, HAAPG LLOYD, ONE مع بعض شركات النفط العالمية بتحويل مسار سفنهم وناقلاتهم من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح وتكلفة تحويل مسار سفينة واحدة يصل إلى مليون دولار حسب الخبراء ناهيك عن طول المدة اللازمة التي تؤدي إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية وعلقت شركة فريتوس قائلة إن تكلفة الشحن ارتفع إلى 173 % عبر البحر الأحمر ورافق ذلك ارتفاع تكلفة التأمين بنسبة عشرة أضعاف أيضاً. واليوم مع تصاعد هجمات الحوثي شكلت الولايات المتحدة الأمريكية قوة بحرية للحفاظ على الأمن البحري والبحر الأحمر له أهمية جيوسياسية لذلك تجد أن دولاً مطلة عليه كجيبوتي لوحدها تستضيف قواعد عسكرية للصين وفرنسا وأمريكا والسعودية واليابان وإيطاليا وكذلك أرتيريا تستضيف قواعد عسكرية لإسرائيل وإيران والإمارات العربية المتحدة والصومال تستضيف قواعد عسكرية لتركيا والإمارات أيضاً.
يقول الاقتصاديون في البنك الدولي إن الأزمة في البحر الأحمر تهدد بارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض النمو، والتضخم المستمر وزيادة عدم اليقين الجيوسياسي.
وهناك الآن قلق متزايد في الدوائر الحكومية في لندن وواشنطن من أنه بينما يتنافس سوناك وبايدن من أجل إعادة انتخابهما، فإن الأحداث في الشرق الأوسط يمكن أن تحطم ما بدا وكأنه تحسن في آفاق التعافي الاقتصادي، وبالتالي فرصهما في صناديق الاقتراع القادمة.
وحسب مجلة فورين بولسي فإن الرئيس الأمريكي بايدن سيحتاج للموازنة بين التحديات المتفاقمة من مشكلة البحر الأحمر ومضيق باب المندب والتهديد الحوثي والحرب بين إسرائيل وغزة والغزو الروسي لأوكرانيا وتعقيد سلاسل الإمدادات العالمية وارتفاع أسعار الطاقة والمعركة التجارية والتكنولوجية مع الصين وقضية تايوان وسياسات إدارته الهشة تجاه هذه القضايا.