م. بدر بن ناصر الحمدان
ذات يوم، غادرت مكتبي عائداً إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل، بعد يوم عمل شاق ومُضْنٍ، أنجزنا فيه وفريق العمل حزمة من الأعمال المرتبطة بمشاريع ذات أهمية كبيرة ومستعجلة، في طريق العودة كنت مُنهكاً للغاية، ومُرهقاً إلى حدّ كبير، وبالكاد كانت تحملني قواي، اتصلت بزوجتي وطلبت منها أن تُبقي طفلتي الصغيرة «كادي» مستيقظة لأني اشتقت إليها، لم نلتق منذ أيام على الرغم من أننا نعيش في نفس المكان، كوني كنت أعود من العمل متأخراً وهي نائمة وأغادر باكراً وهي لم تستيقظ بعد، هذه الصغيرة كبرت اليوم وأنا لا أتذكر طفولتها أبداً، وما زالت عاتبة عليّ جرّاء ذلك، لأني حينها كنت غارقاً في مسؤوليات العمل آنذاك، كان ذلك قبل سنوات مرّت.
قبل الوصول إلى المنزل جاءني اتصال من أحد المسؤولين -يتعلّق بالعمل- أجهز على كل ما بداخلي من معنويات وشغف، ووضعني في زاوية من الإحباط لم أقف بمثلها في حياتي، لقد كانت مكالمته أشبه بالصدمة التي لم أفق منها إلا وأنا واقف أمام باب المنزل، بقيت داخل السيارة ولم أستطع النزول منها، كنت في حالة ذهول وعدم استيعاب لما حدث، جلست حائراً، تعبث بي الأفكار، كنت حينها على حافة الانهيار، ومحُبطاً جداً، فأنا لم أكن أستحق ما حدث.
شعرت حينها بأني على مفترق طرق، ولا بد من أن أُقرّر قبل صباح يوم غد، إما أن أستمر في المكان الذي أنا فيه وأحاول أن أستعيد ثقتي وأستجمع قواي وأُثبت نفسي وجدارتي وأتحمَّل المواجهة التي قد تحدث مهما كان ثمنها، أو أن أتخلى عن نفسي وأكتب نهايتي العملية بيدي وأغادر المكان بسلام وأترك كل شيء ورائي.
بعد حوار جدلي طويل جداً مع ذاتي، وتقييم لما أنا مقدم عليه، قرّرت لحظتها أن لا أتنازل ولا أستسلم، وعاهدتني أن أواصل عملي بنفس الشغف الذي كنت عليه، وأن أتمسك بكل طموحاتي وآمالي التي رافقتني منذ اليوم الأول من رحلتي العملية، فأنا لم أتعود على أن أعود إلى الوراء أبداً، أو أن أقف في منتصف الطريق، لطالما كنت قويّاً وصبوراً وواثقاً بما أقوم به، ومؤمناً بكل خطوة أُقدم عليها، لقد كانت عائلتي وثمة آخرون يعولون علي، وينتظرون مني الكثير، ولم أكن لأخذلهم أبداً، على الرغم من يقيني بحجم التحديات التي كانت سوف تواجهني، ولكنها حتماً ستكون ثمن اجتياز ذلك الجسر الذي أمرّ به الآن.
نزلت من سياراتي بخطى مثقلة، وكأنني خارج من معركة خضتها مع نفسي للتّو، ولكني كنت فخوراً جداً بالقرار الذي توصلت إليه، دخلت المنزل، ووجد «كادي» قد نامت، ولم نلتق مجدداً، لقد تعبت من انتظاري وراء الباب.
هذه الحروف بمثابة اعتذار لها، ولكل الأوقات التي لم تعشها معي.