د.عبدالله بن موسى الطاير
لا يزال الرئيس السابق ترمب يطلق المفاجآت الواحدة تلو الأخرى، فمن فوزه المباغت برئاسة أمريكا عام 2016م، إلى كونه المرشح الرئاسي الأول الذي يعلن المسير إلى البيت الأبيض قبل موعد الانتخاب بسنتين كاملتين. دافعه إلى ذلك قطع الطريق على الاستحقاقات القانونية المتوقعة، وحتى يتذرع بأن الدعاوى اللاحقة لإعلان ترشحه إنما هي لدوافع سياسية، وقد حقق بعض مقاصده.
بادرت ولاية كولورادو بتفعيل هذا التعديل الرابع عشر في وجه الرئيس ترامب على خلفية أحداث اقتحام الكونجرس في 6 يناير 2020م. الجمهوريون بطبيعة الحال تحدوا الولاية أمام المحكمة الأمريكية العليا. غني عن القول إن التقاضي في هذا الشأن يتضمن خطوات مهمة أولها وقف القرار، ومنع دخوله حيز التنفيذ مؤقتًا أثناء عملية الاستئناف، وثانيها التماس أمر تحويل الدعوى الذي تقرره المحكمة الأمريكية العليا، التي تقرر بعد ذلك ما إذا كانت ستراجع القضية أم تصادق على حكم المحكمة العليا في ولاية كولورادو. يمكن أن تستغرق هذه العملية عدة أشهر، لتعلن حكمها في أي وقت من أواخر الصيف إلى أوائل الخريف عام 2024م، أي قبل موعد الانتخابات في نوفمبر بأسابيع قليلة. بطبيعة الحال، وأمام أهمية الوقت فقد التمس الجمهوريون من المحكمة الأمريكية العليا النظر في القضية على وجه السرعة، بسبب اقتراب المواعيد النهائية لطباعة بطاقات الاقتراع في كولورادو.
لأن الانقسام حاد جدا بين الحزبين، فقد لحقت ولاية ماين بولاية كولورادو بتفعيل التعديل الرابع عشر في وجه الرئيس ترامب، وقد يتبعها ولايات مثل نيوهامشر، فلورديا، وكاليفورنيا. الحشد والحشد المقابل لا يتوقف عند هذا الحد، فقد تتحرك ولايات جمهورية مثل تكساس برفع الكرت الأحمر تحت التعديل نفسه في وجه الرئيس بايدن، وستجد له قضية تكيفها للنيل منه وبخاصة ملف اللاجئين التي تعاني منها هذه الولاية. هذا الاحتمال غير مستبعد، وستدخل به الديموقراطية الأمريكية في مأزق حقيقي في وقت تتورط فيه أمريكا في حربين خارجيتين لا تحتملان انقساما داخليا إلى هذا الحد من الجفوة بين الحزبين.
سابقة تفعيل بند عدم الأهلية في التعديل الرابع عشر (بند التمرد) لمنع مرشح رئاسي من شغل منصب الرئاسة يسجل في حق الرئيس دونالد ترمب. كما أنه رابع ثلاثة في تاريخ الولايات المتحدة يترشحون للبيت الأبيض بعد خسارة فرصة إعادة انتخابهم لفترة ثانية، حيث سبقته حالة ناجحة لجروفر كليفلاند (1884 - 1888، 1892 - 1896) وهو الوحيد حتى الآن الذي خدم فترتين غير متتالين، إذ خسر كليفلاند في عام 1888 ثم فاز مرة أخرى في عام 1892م. وحالتان أخفقتا في العودة للبيت الأبيض لكل من ثيودور روزفلت 1912م، وويليام هوارد تافت 1924م.
تأتي قوة ترمب من شخصيته العنيدة، والمقاتلة التي تسند إصراره على مواجهة التحديات في الطريق إلى البيت الأبيض ليكون ثاني رئيس أمريكي في تاريخ أمريكا يحكم فترتين غير متتاليتين. إلى جانب السمات الشخصية هناك قاعدة دعم متنوعة ومتعددة الأوجه. على وجه الحصر تتكون القاعدة الانتخابية للرئيس ترمب من الناخبين البيض من الطبقة العاملة، وبخاصة الرجال الذين لا يحملون شهادات جامعية، وهم مأخوذون بأطروحاته التي تدعو إلى الشعبوية الاقتصادية، وتركيزه على القيم التقليدية، ووعده بتغيير المؤسسة السياسية أو ما يطلق عليه الدولة العميقة. تاليا لهذه الشريحة يأتي الريفيون وهم على غرار الناخبين البيض من الطبقة العاملة، غالبًا ما يشعرون بالتخلف عن الركب بسبب العولمة والتغيرات الاقتصادية، ويشدهم ترمب بتركيزه على التصنيع الأمريكي، وانتقاده للصفقات التجارية التي يُنظر إليها على أنها غير مواتية للمجتمعات الريفية. أما المسيحيون الإنجيليون فيمثلون رافدا ثالثا للدعم بسبب مواقفه فيما يخص قضايا المثلية، والجندر، والإجهاض والحرية الدينية والتعيينات القضائية المحافظة، ودعم إسرائيل. ويحل الناخبون الأكبر سنا في المرتبة الرابعة بين أتباع ترمب، فالناخبون الأكبر سنا، وخاصة الرجال البيض، أظهروا دعما أقوى له مقارنة بالأجيال الشابة؛ قد يكون هذا بسبب عوامل مثل التفاوتات في القيم الثقافية بين الأجيال، والمخاوف الاقتصادية، والخبرات السياسية.
في حين لا يقتصر دعم ترمب على المجموعات المذكورة أعلاه، حيث يحظى بدعم بعض مجموعات الأقليات، مثل شرائح معينة من المجتمعات الأمريكية من أصول إسبانية وإفريقية، فإن التركيبة السكانية لقاعدة ترمب ليست ثابتة وقد تتغير بمرور الوقت بسبب عوامل مثل الظروف الاقتصادية المتغيرة، والاتجاهات الثقافية، وظهور قضايا سياسية جديدة.
متابعة الشأن الأمريكي في عام 2024م لن يقل إثارة عن متابعة كرة القدم الأمريكية، وبخاصة Super Bowl التي تعد حدثا وطنيا غاية في الإثارة. وإذا كانت مباراة البطولة في كرة القدم الأمريكية تحدد الفريق الفائز، فإن عام 2024 بانتخاباته الرئاسية سيحدد إلى مدى بعيد مستقبل الديموقراطية الأمريكية.