د.شريف بن محمد الأتربي
يشغل التعليم الحيز الأكبر والأهم من تفكير المجتمعات بكل أطيافها المتقدمة منها وتلك التي تحاول الالتحاق بركب التقدم، ومن أجل ذلك خصصت الدول جزءاً كبيراً من ميزانيتها للتعليم، وبالأدق للاستثمار في التعليم، أو الاستثمار في المستقبل، فكثير من الدول لم يكن لديها مصادر دخل سواء من الثروات الطبيعية أو الصناعة أو أي مصدر آخر، لم تكن تملك سوى عدد هائل من المواطنين غير المتعلمين أو المؤهلين لسوق العمل فعملت هذه الدول على الاستثمار في هؤلاء الأفراد حيث وفرت لهم التعليم المتميز المبني على خطط محددة الأهداف، ولها معايير تقييم، سواء أكانت تلك المعايير محلية أو عالمية، المهم في الأمر أن يكون هناك معايير ومقاييس تحدد مدى نجاح هذه الخطط في تحقيق الأهداف، وكانت النتائج محققة لآمال وتطلعات تلك الدول حيث خرجت من عباءة التأخر إلى ركب التقدم.
في المملكة العربية السعودية؛ ورغبة من ولاة الأمر في تحسين مخرجات التعليم وجودته، تم تأسيس هيئة تقويم التعليم والتدريب عام 1438هـ، وفق قرار مجلس الوزراء رقم (94)، بوصفها جهة ذات شخصية اعتبارية ومستقلة مالياً وإدارياً، وترتبط تنظيمياً برئيس مجلس الوزراء، كما صدر تنظيم الهيئة في كيانها الجديد عام 1440هـ، وفق قرار مجلس الوزراء رقم (108) بما يعزز دورها في التقويم والقياس واعتماد المؤهلات في التعليم والتدريب في القطاعين العام والخاص؛ ورفع جودة تلك المؤهلات وكفاءتها، وجعلها مساهمة في خدمة الاقتصاد والتنمية الوطنية، حيث تعمل الهيئة مع كافة الجهات الوطنية ذات العلاقة لضمان وضبط جودة مؤسسات وبرامج التعليم والتدريب في المملكة وضبط جودة مخرجاتها ومواءمتها مع سوق العمل، وبما يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 وبرنامج تنمية القدرات البشرية.
ومن أجل ذلك وضعت الهيئة نصب أعينها تحقيق عدة أهداف، تمثلت في:
- تحسين نتائج تعلُّم الطلاب وأدائهم.
- تعزيز تميُّز وجودة الممارسين في التعليم والتدريب.
- تعزيز تميُّز وجودة مؤسسات وبرامج التعليم والتدريب.
- شرح وتفعيل ثقافة التحسين المستمر لمنظومة التعليم والتدريب من خلال توصيات وقرارات قائمة على البيانات والبراهين لتقييم الاتجاهات والتحول الاستراتيجي وتعزيز عملية صنع القرار.
- بناء القدرات الداخلية للهيئة وتطويرها.
تملك الهيئة عدة مراكز تساعد في تنفيذ خطة الهيئة وتحقيق أهدافها، حيث يُعنى مركز قياس بإعداد مقاييس علمية ومهنية تتوافر فيها العدالة والكفاية، وتسعى في الوقت نفسه لتحقيق ريادة عالميّة في إعداد الاختبارات والمقاييس التربوية والمهنيّة. أما مركز اعتماد فمناط به اعتماد مؤسسات التعليم العالي وبرامجها داخل المملكة، إلى جانب إجراء دراسات تقويمية للمؤسسات والبرامج في المملكة، وأيضاً متابعة جودة مؤسسات التعليم العالي المعتمدة وبرامجها، واعتماد المؤسسات والبرامج الدولية المُقدمة في المملكة أو في الخارج وتسعى إلى الحصول على الاعتماد.
تتميز الهيئة باعتمادها للجودة نهجاً لها ولبرامجها ومراكزها، فالجودة هي عصب التخطيط للعمل ووضع الأهداف، ومن أجل ذلك أنشأت الهيئة المركز الوطني للتقويم والتميز المدرسي (تميز) والذي يسعى إلى رصد مستوى التقدم في جودة مخرجات التعليم العام، من خلال تقويم أداء مدارس التعليم العام الحكومية والأهلية؛ للإسهام في تحسين البيئة التعليمية وتطويرها لتكون محفزة على الإبداع والابتكار، وفي تعزيز قدرة النظام التعليمي على تلبية متطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل.
تقدم الهيئة خدماتها للأفراد والمؤسسات، حيث بلغت خدمات الأفراد حوالي 61 خدمة ما بين الاختبارات، والتدريب، والمقاييس، والتقويم، والاعتمادات. بينما جاءت خدمات المؤسسات متمثلة في حوالي 21 خدمة استحوذت الاعتمادات على أكثريتها حيث بلغ 16 خدمة منها: الاعتماد البرامجي، والاعتماد المؤسسي، ومؤشر التدريب، والرخص المهنية للمدربين. فيما جاء التقويم المدرسي، والاعتماد المدرسي، وتقويم المناهج ضمن الخدمات التي تقدمها الهيئة للمؤسسات.
رغبة من الهيئة في تسهيل الاستفادة من برامجها وخدماتها، أصدرت الهيئة 107 دلائل إلكترونية منها أدلة للاختبارات (54) دليلاً، وأدلة الاعتمادات (24) دليلاً، وأدلة التدريب (15) دليلاً، وغيرها من الأدلة.
تؤمن الهيئة بأهمية الأرقام في عملية التعليم والتدريب فحرصت على إصدار العديد من الدراسات الإحصائية شملت كفاءة المعلمين، واختبار القدرات، واختبار التحصيلي، وإحصائيات مقياس موهبة، وغيرها من البيانات الإحصائية الهامة لجودة العملية التعليمية. كل هذه الأرقام تم عكسها للمستفيدين من خلال «منصة بيانات تقويم التعليم والتدريب»، وهي منصة وطنية حكومية متاحة لجميع المستفيدين، طورتها هيئة تقويم التعليم والتدريب، تحتوي على عدد من التقارير والمؤشرات المتخصصة في مجال تقويم التعليم والتدريب بالمملكة. وتعد المنصة مرجعاً رئيساً للباحثين والمهتمين وأصحاب المصلحة وعامة المجتمع. حيث يدعم التقويم والقياس رفع جودة التعليم والتدريب في القطاعين العام والخاص وكفايتهما ومساهمتهما في خدمة الاقتصاد والتنمية الوطنية. وتهدف المنصة إلى تمكين زوارها من الاطلاع على البيانات والمعلومات المتاحة ذات العلاقة بحالة التعليم والتدريب في المملكة، وذلك من خلال عرض المؤشرات المتعلقة بمجالات عمل الهيئة، وقياسها بشكل دوري، ومقارنتها بالمؤشرات الدولية (مثل نتائج الاختبارات الدولية القياسية الخاصة بتقويم التعليم والتدريب).
أصدرت الهيئة عدداً من التقارير حول التعليم ونتائجه ومخرجاته في المملكة العربية السعودية، أو مقارنة بالدول الأخرى من خلال الاختبارات الدولية، حيث تهدف هذه التقارير إلى وضع الحقائق أمام أعين أصحاب القرار من خلال توضيح نتائج أبنائنا الطلبة مقارنة بنظرائهم في الخارج. ومن هذه التقارير التي أظهرت جلياً للمجتمع التعليمي كله مستوى الطلبة: نتائج طلبة المملكة العربية السعودية في الدراسة الدولية لقياس تقدم مهارات القراءة (PIRLS 2021)، وتقرير حول نتائج مشاركة المملكة العربية السعودية في الدراسة الدولية تيمز 2019.
نشرت الهيئة العديد من الأبحاث التي تدرس مشكلات التعليم مثل تأثير الغياب على التحصيل الدراسي لدى الطلبة، وتأثير توقيت اختبار القدرات العامة على نتائج الطلبة، وغيرها من الأبحاث التي بلغت حوالي 73 بحث هدفت إلى وضع حلول وعلاجات لضعف نتائج الطلبة في الاختبارات العالمية والمحلية، وتحسين مستويات أداء المعلمين داخل الفصول الدراسية وخارجها.
لقد كانت رؤية الهيئة القائمة على: نموذجٌ سعوديٌّ للجودة عالي الأثر في التعليم والتدريب، رائدٌ عالمياً، مسهمٌ في تحقيق التنمية الوطنية والنمو الاقتصادي. دافعا لها لبذل كل الجهود التي تصب في مصلحة المواطن تعليمياً وتدريباً بحوكمة وجودة كل منهما.
وأختم مقالي هذا بقيم الهيئة التي جاء فيها: تعظيم الأثر. الكفاءة. التعاون والشراكات. المصداقية والعدالة.
شكراً معالي الدكتور خالد السبتي وشكراً لكل القائمين على العمل في الهيئة فأنتم العين الفاحصة للتعليم والتدريب في الدولة.