ليلى أمين السيف
التمسك بالآراء والتصلّب في الأفكار وعدم التنازل قليلاً وإعطاء الطرف الآخر فرصة لإبداء رأيه وعدم منح النفس فرصة للتفكر في الرأي المخالف سمات لبعض الشخصيات تدوم معهم حتى الموت.
والمصيبة هي عند كبار الناس الذين كثيراً ما يؤذون أنفسهم ومن حولهم بعنادهم وتشبثهم بآرائهم وأفكارهم.
يعاني القيمون في مجال رعاية كبار السن كثيراً من التعامل الجامد مع هؤلاء الكبار. ويصيب بعضهم الإحباط من عناد كبار السن ويحاولون بشتى الوسائل تجنبيهم الأخطار وإرشادهم إلى أفضل الطرق للسلامة النفسية والجسدية والعقلية.
تلك العجوز متشبثة بالروتين اليومي الذي كانت تفعله في بيتها منذ شبابها، بينما الآن لا يمكن القيام به وفقاً للظروف التي جدت ولكنها تصر على التصرف تبعاً لما اعتادت عليه، فهي تستيقظ في وقتها المعتاد وتستحم في يوم معين وساعة معينة. تحب تناول الشيء الفلاني مع مشروبها المفضّل. زهورها وأغراضها لها ترتيب معين وأمور عديدة من الصعب ملاءمتها مع احتياجات الآخرين أمامها وهي أمور صغيره قياساً بما يقدم.
وذلك العجوز البالغ التسعين عاماً ونيفاً ولا يقدر على المشي.. يريدك أن تقفي أمامه لتساعديه ولكن تقع عيناه على بطاقة بريدية من أحفاده يريد أن يقرأها الآن وهو واقف وأنت لا تستطيعين أن تراهني على تمكنه من الوقوف لفترة أطول عن المعتاد.. الساعة السابعة صباحاً وعليك أن تنجزي كل المهام قبل التاسعة موعد الفطور الجماعي ولكنه يصر على بقائك أمامه حتى ينهي قراءة الخطاب.. وعندما تخبرينه بأنك مستعجلة وستذهبين ثم تعودين خلال دقائق يبدأ بالسب واللعن وعليك التحلي بكامل هدوئك وصبرك..وتحاولين أن تفهميه أنك ستعودين لاحقاً للجلوس معه والقراءة معاً ولكنه يريد للأمور أن تسير كما يشاء. فيرفض أن تساعديه الآن ويغضب ويعود إلى سريره.
أما تلك العجوز الطاعنة في العمر والتي تسمعين صوت أنين عظامها وهي ترفع يدها لكي تسندها وتبدأ في المشي على جهاز المشي المساعد وعندما تريدين رفعها بالوسائل المساعدة حماية لظهرك وأكتافك ترفض وتقول «لا بد أن أمرن عظامي وأحركها» ونحن يا جدتي من يرمم عظامنا بعد أن تهلكينا في رفعك.. لقد وقعت وأنا أحاول إسنادها ولكنها هي بنفسها قالت لي بعد ذلك: «لا تسنديني أنا عجوز وسيعالجني الطبيب وسأخدم في الفراش أما أنت فلن تستطعي العمل وستبقي مقعدة».
يا عزتي لنفسي..
ليش تعاندين يا جدتنا طيب..
أحدهم يصر على ارتداء ملابسه كاملة كل يوم وفي الليل يرتدي البيجاما ونحن ما بين إلبساهم وترتيب أمورهم والقيام بواجباتهم نهلك وهم لا يتزحزحون قيد أنملة عمّا اعتادوا عليه.
إحداهن عملت عملية تبديل ورك ومصرة على المشي بدون حزام يساعدنا ويساعدها وترى في هذا إهانة لها.
بالمناسبة عمرها تجاوز السابعة والتسعين. وفي النهاية وقعت وكسر فخذها.
التعامل مع عناد كبار السن صعب جداً.. وطوال وقتهم يشتمون ويلعنون إن لم يحبوا الشخص.. ويحتاجون إلى بال طويل وصبر أيوب.
البعض منهم لا يعترف بحاجته للمساعدة فيقاوم ويؤذي نفسه بشكل محزن والآخرون متسمرون ويريدون للحياة أن تستمر وفقاً لأهوائهم وكما كانوا معتادين عليها.. عندما يكبرون يبدأ الدماغ في الضعف فيحدث لديهم ضعف إدراكي وكلما أردنا حل الأمور يعاندون فنصبح حائرين ما بين سندان العواطف ومطرقة العلاج وتجنبيهم كل خطر قد يؤذيهم بسبب عدم إدراكهم لخطورة ما يفعلون.
وأحياناً يعاند كبارنا ولا يستمعون للنصح أبداً.
عنادهم مرهق لمحبيهم، فذاك عجوز مسرف في التدخين وعند نصحه يقول كم باقي من العمر خليني أستمتع، وتلك تعاند فلا ترتاح من عمل البيت وهي تشكو من الأوجاع والآلام ولكنها لا تتوقف عن كل ما يتعبها.
إن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أوصانا بكبارنا فحثنا على الرحمة بهم فقال «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا»
وحقيقة أن وجودهم في بيوتنا بركتنا ورزقنا وعافيتنا. ولن أقول ليتهم يتغيرون ولكنني سأعمل على تغيير نفسي كي لا أتعب من حولي فيما بعد أن أعطانا الله عمراً وعافية.