د.أحمد يحي القيسي
الشاعر مسرحه العالم، لا تسور نصه الحدود الإقليمية أو المُؤَطِّرات التي يفتعلها البشر، فهو يكتب نصه ليكون عابرا للزمكان. حيث لا تنغلق عليه ثقافة، ولا تحتكر تذوقه بقعة جغرافية.
وإذا كانت تلك سمة الشعر على عمومه، فإن آفاق نص الهايكو تعد أكثر اتساعا، فقالبه العصي على التشكل يلتقط من كل بيئة مشهدياتها ورؤى مبدعيها، ليقدمها للقارئ في شتى أصقاع الأرض بصيغته المُتَوَاضَع عليها، فهو بلا أدنى شك نص كوني. تمنحه كل ثقافة صورا وتصورات دون المساس بمقوماته. وعلى الرغم من ذلك فإن كونيته لا تناهض سمة «المعاشية» التي يتحقق بها صدقه الشعري.
وقد نجحت بعض التجارب العربية في الإبحار بزورق شكله التعبيري بين تلافيف طبيعتها وحياتها اليومية، لتنطلق بالنص إلى فضاء العالم الرحب، متجاوزة عراقيل الأعراف اللغوية والثقافية، ومن هؤلاء المبدعين الشاعر محمد آل فاضل.
لم يلق محمد بالاً لجبل فوجي أو أزهار الساكورا، ولا لسائر المكونات التي ينعدم أثرها وتأثيرها في حياته، فتأملاته تركزت على محيطه، لذا لا غرابة إن حفلت نصوصه بمفردات بيئته التي منها: «السدرة، الصحراء، الرمال، الغدير، بيت الطين، الدكان القديم» وغيرها، ولا غرابة أيضا من تكرار بعضها نظرا لتجليها في محط رؤيته على الدوام، كشجرة السدر التي يصادفها أنَّى التفت، أو الصحراء التي يعيش على ضفافها، يقول:
«السدرة العملاقة
تحول المطر إلى وابل
من النبق»
أما سمة الكونية فتتجلى في المشاهد التي يؤطرها من بيئته لتلامس ظروف قارئها في مختلف البقاع، كقوله:
«سحابة بيضاء
تعبر الحدود المتوترة
بين البلدين»
وثيمة هذا النص تعري رغبة محمد في العبور إلى كل مكان، كتلك السحابة التي عبرت غير آبهة بتوتر الحدود، وغير خاضعة للقانون البشري، وقد تمظهرت في نص آخر وبفكرة مختلفة، حيث يقول:
«قوقل ايرث
بلا إجراءات
أتجاوز الحدود»
وثمة نصوص ينقلنا عبرها محمد إلى مشاهد من الحياة اليومية، وهي مشاهد عامة، تلمسها أنظار الناس في مختلف الأماكن، كقوله:
«تارة للاستناد
وتارة للتحية
عصا العجوز»
وأغلبها مشاهد تلازم طبيعة البشر لا طبيعة المكان فحسب، وكثير من أفعال البشر تتشابه، تأمل هذا المشهد الفكاهي الذي قد يصادفك في أقاصي الشرق أو الغرب:
«واثق الخطوة
يرتطم
بالباب الزجاجي»
وفي الختام إليكم هذه المختارات من نصوصه:
شرفة القصر العالي
الثري المقعد
يغبط المتشرد
***
عن «قطرة العين»
أغنَتنِي
حبات المطر
***
بيت الكنب
لوهلةٍ قرأتها
بيت الكتب
***
شارعُ المقاهي الطويل
نهايته مغلقة
بالقمر
***
عند الشلال
أنادي صديقي
بلغة الإشارة
***
بلا تذاكر
حفلة موسيقية تحييها
أوركسترا العصافير