د. عبدالحق عزوزي
عندما أعلن الدكتور سلطان أحمد الجابر، رئيس مؤتمر الأطراف COP28 التوصل بنجاح إلى اتفاق حول المناخ، قوبل ذلك بتصفيق كل الحاضرين، لأنه وقع إنجاز تاريخي لم يتحقق منذ عقود، ولأن العالم المناخي ليس بخير ولأن هناك ضرورة الضغط على الدول لتعزيز جهود مكافحة الاحتباس الحراري وخصوصا الصين والولايات المتحدة الأكثر تلويثا في العالم؛ ولأن البشرية أمام خيار العمل معا أو الانتحار الجماعي... ولقد أصاب سلطان الجابر عندما قال: إن «العالم كان بحاجة إلى مسار جديد للعمل، ومن خلال التركيز على هدفنا الرئيسي توصلنا إلى ذلك المسار، حيث عملنا بجِد وإخلاص لبناء مستقبل أفضل لشعوبنا وكوكبنا، وبإمكاننا أن نفخر بإنجازنا التاريخي.... لقد تم إنشاء صندوق الحلول المناخية «ألتيرا» الذي سيركز بنسبة 100% على التغير المناخي، وللمرة الأولى على الإطلاق تم التعهد خلال مؤتمر كوب 28 بزيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة الطاقة... ويمكن أن يكون لنا تأثير إيجابي عميق على مستقبلنا. وأعني كل مستقبلنا لأن الشمولية كانت القلب النابض لهذا المؤتمر هي التي جعلتنا نستمر خلال الأيام الصعبة لكيلا نتخلى أبدا عن هذه العملية التي كانت مدفوعة بالتضامن والشفافية والرغبة في الاستماع».
وقد سبق وأن كتبنا في هاته الصحيفة الغراء أنه في الإعلانات الختامية السابقة للقمم حول المناخ نجد أن الدول الغنية تعبر عن «أسفها العميق» في فشلها في جمع مبلغ سنوي منفصل قدره 100 مليار دولار وعدت به منذ سنوات.... وماذا يعني هذا الكلام؟ إنه اعتراف ضمني بفشل العمل العالمي المشترك؛ فالجانب المالي ولاسيما مساعدة الدول الغنية لتلك الفقيرة ذات المسؤولية المحصورة جدا على صعيد انبعاثات غازات الدفيئة من أكثر الملفات الصعبة في هاته المؤتمرات.... أما مع اتفاق الإمارات، فإلى جانب تقديم استجابة فعالة للحصيلة العالمية الأولى لتقييم التقدّم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس، فقد حقّق «كوب 28»نتائج تفاوضية ملموسة لتفعيل صندوق معالجة الخسائر والأضرار، ونجح في جمع وتحفيز 792 مليون دولار من التعهّدات المبكرة للصندوق، وتوفير إطار للهدف العالمي بشأن التكيّف، وإضفاء الطابع الرسمي لدور رائد المناخ للمؤتمر، لدعم احتواء الشباب في أعمال مؤتمرات الأطراف المستقبلية.
كما اختتم «كوب 28» أعماله بعد أن أقر ممثلو ما يقارب 200 دولة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، في مدينة إكسبو دبي «اتفاق الإمارات» للمناخ وهو خيار العمل معا، والذي يتضمن خطة عمل مناخية للحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية.
وسطر الاتفاق ضرورة تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي إلى منظومة طاقة نظيفة جدا؛ والهدف واضح ألا وهو تحقيق الحياد المناخي، وتشجيع السلطات العمومية أينما كانت على تقديم مساهمات محددة وطنياً تشمل كافة القطاعات الاقتصادية، كما يستهدف زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة معدل تحسين كفاءة الطاقة سنوياً بحلول عام 2030، ويبني زخماً لتأسيس هيكل جديد للتمويل المناخي. وأسابيع معدودة قبل كوب 28 قلت في برنامج السطر الأخير في قناة أبوظبي بأنه يجب تفعيل الأقاويل الفضفاضة إلى أفعال حقيقية، وإعطاء تصور قابل للتطبيق لجعل دول العالم وخاصة الصناعية منها تأخذ قرارات حقيقية في هذا المجال بدل البقاء في عالم التنظير اللامتناهي، خاصة بعد الانتكاسات المتتالية في هذا المجال... كما يجب الضغط على الدول لتعزيز جهود مكافحة الاحتباس الحراري وخصوصا الصين والولايات المتحدة الأكثر تلويثا في العالم؛ وتكون البشرية كما كتبت أمام خيار العمل معا أو «الانتحار الجماعي» ؛ زد على ذلك أن الذي يدفع كثيرا ضريبة هذا التغير المناخي هي الدول منخفضة الدخل والتي تعاني من أسوأ حالات الجفاف الشديد والفيضانات وارتفاع مستويات سطح البحر حتى لو كانت انبعاثاتها منخفضة، وتشعر البلدان في أفريقيا وآسيا وأميركا الوسطى والجنوبية بآثار ارتفاع درجات الحرارة أكثر من معظمها؛ لذا نجد أن الدول الأكثر تضررا في السنين الأخيرة هي على التوالي: موزمبيق (شرق أفريقيا) وزيمبابوي (جنوب أفريقيا) وجزر البهاما (المحيط الأطلسي/جنوب شرق الولايات المتحدة) واليابان، وملاوي (جنوب شرق أفريقيا) وأفغانستان وباكستان والهند وجنوب السودان، والنيجر، وبوليفيا (غرب أميركا الجنوبية) وتايلند ونيبال وميانمار وهاييتي والفلبين.