أ.د.عثمان بن صالح العامر
من المواضيع التي تعود للواجهة من جديد، وتطرح اليوم على نطاق واسع، موضوع (الأمن الغذائي).
شخصياً لا أعرف رجلاً نذر نفسه -بصفته الشخصية لا الرسمية- وبذل ماله وجهده ووقته وفكره وقلمه وجاهه وولده لهذا الموضوع بالذات (الأمن الغذائي) مثل الشيخ علي الجميعه -رحمه الله- الذي كتب مقالات عدة.. وحاضر في عدد من جامعاتنا السعودية.. وتنقَّل بين مناطق المملكة المختلفة مسوِّقاً لفكرة الزراعة الوطنية.. واستضاف في مزارعه بحائل (العزيزية والمسرة والشعلانية) أهل الرأي والخبرة والمختصين الأكاديميين ليقفوا بأنفسهم على نماذج من الزراعة السعودية، ويتحاوروا ويناقشوا وجهاً لوجه ثنائية (الماء والزرع) بكل أريحية وشفافية ووضوح، ومن منطلق وطني صرف، وعلى أُسس علمية أكاديمية من جهة، وميدانية تجريبية من جهة ثانية، معتبراً أن الاجتماع لمناقشة هذه القضية الوطنية، بل العالمية الدقيقة المهمة- التي تعد إشكالية كبرى أمام متخذ القرار - من أفضل الاجتماعات التي يعقدها المسلمون بعد الاجتماع لأداء الصلوات الخمس في بيوت الله (المسجد).
كما أن الجميعه رحمه الله أنشأ وتبنى ودعم وأشرف بنفسه وتابع ملتقى الخطة السنوي الذي يعد علامة فارقة في تاريخ اللقاءات المتخصصة بالشأن الزراعي، ليس هذا فحسب، بل عمل بنفسه في الحقل وكان يجد متعته في حرث الأرض وسقي الزرع وحين يكون الحصاد أو جني الثمار.
ومن الميدان رفع -رحمه الله- عرائضه لولاة الأمر -حفظهم الله وأدام عزهم ومجدهم- يذكِّرُ فيها بأهمية الأمن الغذائي في الاستقرار الداخلي الحالي والمستقبلي، ودوره الرئيس في علاج كثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها البطالة، وفي ذات الوقت يشرح معاناة المزارع الصغير، ويبيِّن بكل شفافية ووضوح وجهة نظره الشخصية في استثمار رأس المال السعودي في الزراعة الخارجية، داعياً رجال الأعمال أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار الواسع في الزراعة الداخلية التي يعتبرها العمود الفقري للاقتصاد المحلي، والضمان الرئيس للتنمية المستدامة في المملكة العربية السعودية، ولذا لا عجب - في نظره - من أن (جلالة الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- جعل شعار المملكة نخلة محمية بسيفين، والنخلة -كما هو معلوم- رمز الزراعة).
وحتى يشارك في ردم الهوة بين النظرية الأكاديمية والتطبيق الميداني بادر بتأسيس كرسي الشيخ علي الجميعه للتنمية المستدامة في المجتمعات الزراعية في رحاب جامعة حائل ودعمه بخمسة ملايين ريال، وموَّل عدداً من المؤتمرات والندوات الزراعية التي احتضنتها جامعاتنا السعودية، ودعم الجمعيات الزراعية الأكاديمية والأهلية، وصرف على عدد لا حصر له من الدراسات الزراعية المتخصصة سواء في البذور والأسمدة والتربة، أو بالتسويق والصيانة، أو الصناعة والتخزين. وعلى خطى أبي فهد -رحمه الله- سار وما زال يسير أبناؤه وأحفاده من بعده فها هم اليوم في الحقل من جديد من أجل إكمال مسيرة والدهم في المشاركة الحقيقية لتحقيق أمن غذائي سعودي متميز في ظل دعم ومباركة من لدن قيادة بلادنا المعطاء المملكة العربية السعودية مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسيدي ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله ورعاهما- اللذين يوليان القطاع الزراعي جلَّ اهتمامهما وعظيم رعايتهما، ويدعمان كل مبادرة من شأنها المساهمة الفعلية في تحقيق رفاهية الحياة وأمن وسلامة وسعادة والتوسيع على المواطن والقاطن.
وفي ختام هذا المقال أعتقد أن من حق هذا الرجل الألف الشيخ : علي بن محمد الجميعه رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته تكريمه في مناسبة وطنية كبرى عطفاً على ما قدمه علمياً وقام به ميدانياً في القطاع الزراعي على وجه الخصوص لسنوات طويلة لا تخفى، وخلفه من بعده أبناؤه وأحفاده البررة حفظ الله الأحياء منهم، ورحم الرب الرحيم الصديق العزيز الأخ الفقيد زياد ( أبو عبد العزيز ) رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.