د. محمد بن إبراهيم الملحم
حيث إن الحديث كثير حول خطط ونوايا خصخصة التعليم Privatization of Education ويظن كثيرون أنها تمثل حلاً لمشكلات التعليم فإن هذه المقالة سوف تستعرض نماذج الخصخصة في مجال التعليم عبر العالم وأمثلة حول نتائجها وما أوردته بعض الدراسات.
أولاً: نظام القسائم vouchers (أو المنح الدراسية)
يقصد بها توفير الوزارة منحة دراسية على حسابها لكل طالب، أي أن الدولة هي من تدفع رسوم هذا التعليم الخاص لشركات المدارس الخاصة، ويأخذ ولي الأمر من الدولة القسيمة التي يريدها ليضع أولاده في مدارس خاصة بتلك القسيمة برعاية الوزارة، واختيار ولي الأمر المدرسة الخاصة لطفله يجعل هذه المدارس (أو الشركات التي تديرها) تتنافس بينها لتحصل على أكبر عدد من الطلاب (حسب استيعابها طبعاً)، الجدير بالذكر أن القسائم إما أن تغطي كل أو جزءاً من تكاليف التعليم حسب النموذج الذي تختاره الدولة وربما توفر النموذجين.
ومن الأمثلة، فإن هولندا لديها نظام قسائم طويل الأمد وأشارت الدراسات حوله إلى أن مسألتي اختيار المدرسة والمنافسة من خلال القسائم أدى إلى تحسين جودة التعليم هناك، لا سيما من حيث تحصيل الطلاب والأداء المدرسي.
وفي السويد، فقد نفذت نظام القسائم منذ التسعينيات مما سمح لكل الآباء (وليس الميسورين مالياً فقط) الاختيار بين المدارس الحكومية (العامة) أو استخدام القسائم للالتحاق بالمدارس الخاصة (الأهلية)، وأشارت بعض الدراسات إلى أن ذلك أدى إلى زيادة المنافسة بين كلا نوعي المدارس وتحسين النتائج التعليمية (العامة والخاصة)، ولكن مع ذلك، فقد وجدت أبحاث أخرى نتائج متباينة، مع إثارة بعض المخاوف بشأن تزايد عدم المساواة وانخفاض الأداء الأكاديمي في بعض المجالات.
في الولايات المتحدة وبحسب دراسة حول تأثير برنامج القسائم في ولاية كولومبيا فإن طلاب البرنامج (خاصة ذوي الدخل المنخفض) والذين مكنتهم القسائم من الالتحاق بالمدارس الخاصة تحسن تحصيلهم مقارنة بأقرانهم في المدارس الحكومية. وهناك تجربة لطيفة في جنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا وكذلك في دول بجنوب آسيا، حيث ظهر فيها ما يسمى «المدارس الخاصة منخفضة التكلفة» كبديل مدعوم للأسر التي تسعى إلى الحصول على جودة تعليمية، وتشير الأبحاث إلى أن هذه المدارس، على الرغم من مواردها المحدودة، أظهرت تأثيرات إيجابية على نتائج تعلم الطلاب ذلك أنها توفر أحجاماً أصغر للفصول الدراسية، ومزيداً من مساءلة المعلمين، ومرونة أكبر في تقديم المناهج الدراسية.
ثانياً: المدارس المستقلة Charter Schools
هنا يتم تمويل المدارس المستقلة من القطاع العام ولكن يديرها القطاع الخاص حيث تمنح قدراً أكبر من الاستقلالية والمرونة في الأنظمة والمناهج مقارنة بالمدارس الحكومية، وغالباً ما تتم إدارة المدارس المستقلة من قبل منظمات غير ربحية أو مجموعات مجتمعية أو حتى شركات خاصة بموجب عقد (أو ميثاق) مع وزارة التعليم.
ومن الأمثلة والنتائج ففي الولايات المتحدة أسفرت الأبحاث المتعلقة بالمدارس المستقلة عن نتائج متباينة ففي حين أظهرت بعض الدراسات آثاراً إيجابية على تحصيل الطلاب، وخاصة بالنسبة للطلاب المحرومين في المناطق الحضرية، لم تجد دراسات أخرى أي فروق ذات دلالة إحصائية بل وجدت آثاراً سلبية. ومن الدراسات التي وجدت آثاراً إيجابية تلك التي أجراها مركز أبحاث نتائج التعليم (CREDO) في جامعة ستانفورد إلى أن المدارس المستقلة في ماساتشوستس تفوقت على نظيراتها في المدارس الحكومية خاصة في الرياضيات والقراءة. وكذلك أظهرت الدراسات أن تحول ولاية نيو أورليانز الأمريكية إلى المدارس المستقلة أدى إلى تحسن في تحصيل الطلاب، ومعدلات التخرج، والالتحاق بالجامعات ومن المهم الإشارة إلى أنه قد رافق هذا التحول زيادة في المحاسبية والتركيز على معايير الجودة.
وغالباً ما يُشار إلى تشيلي كمثال على نظام المدارس المستقلة الشامل حيث نفذت نهجاً موجهاً نحو السوق في التعليم في الثمانينيات، مع التركيز على اختيار الوالدين والمنافسة. وفي حين أظهرت بعض الدراسات تأثيرات إيجابية على تحصيل الطلاب، وخاصة بين الأسر الأكثر ثراءً، فقد كانت هناك أيضاً مخاوف بشأن زيادة عدم المساواة في الحصول على التعليم الجيد.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً