د. إبراهيم بن جلال فضلون
إنها «القرية الكوكبية» عالمها سيصير قرية صغيرة، هكذا وصفها المنظر الكندي مارشال ماكولهان منتصف القرن الماضي، بسبب العولمة وأحشائها الموجهة للإنسانية وما حولها، فقد جرت الحياة بعاداتها أن تُرينا عجائبها من مقادير الله وخطوب الأيام بأزمانها، التي قسمت «جردات» البشر إلى نوعين: من غلافه الخارجي وعالمه أولاً كجزء منه لا ينفصل، حيث أحداث وحوادث أثرت على دول الأرض، يليها غلافه الداخلي حيثُ محليته، واهتمامات دولته الداخلية، لتتطابق المخاوف وخطوب الأيام من مشكلات وضغوط المواطنين، من سطوة دول جعلت من عام 2023، أكثر عام للصراعات وحوادث العنف التي ارتفعت بنسبة 28 %، وعدد الوفيات بنسبة 14 %، ووُصف بعام الحروب الأعلى منذ 30 عاماً.. عددها أكثر من 183 صراعاً مسلحاً إقليمياً في العالم، فبلغ عدد اللاجئين الذين شردتهم الحرب مذهلة، حيث بلغت أكثر من 6 ملايين في سوريا، و5 ملايين في أفغانستان، ومليون في ميانمار، وربع مليون نازح في السودان، وأكثر من مليون بغزة التي شغلت حربها العالم بأسره، حتى الغربيين واليهود لما كان فيها لم يكن ببلد كان على الأرض من جرائم حرب وتهجير وأرض محروقة، ومن قبلها السودان وانقساماتها الداخلية، وحرب أوكرانيا الغربية، لكن يبدو أن هذه الصراعات ليست الوحيدة التي اشتعلت هذا العام، وفق المراجعة السنوية للصراعات التي أعدها ونشرها المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية The International Institute for Strategic Studies IISS، ولم تشمل المواجهات العالمية بين دول مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، ليكون عنوانها «لا حلول.. لا اتفاق أبداً»، ميزاتها زيادة العُنف حتى تمنع الحروب السلام بشكل مزمن، وببساطة لأن بعض زعماء العالم وأكثر من 459 جماعة مسلحة، وتستعبد 195 مليون إنسان، وتمتلك أربعة أخماس هذه المجموعات هيمنة محلية أو إقليمية، ينظرون إلى الحرب بوصفها «أداة سياسية مفيدة».
إذاً العالم يُهيمن عليه صراعات مستعصية، وراؤها جهات فاعلة، ودوافع معقدة متداخلة، وتأثيرات عالمية، وحولهم تغيرات المناخ، عالم متعدد الأقطاب باتت ملامحه واضحة. أمريكا ذات سطوة جبارة، يغلب عليها المجموعات الإجرامية، لا سيما في تجارة المخدرات وتجارة الأسلحة في دول أميركا الجنوبية والوسطى.. والدُب الروسي عنيد، والصين غول اقتصادي قوي، والهند لا يُستهان بها، واليابان قوة قادمة، وهناك العالم الاوروبي العجوز ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وكُلهم يتجاهلون الواقع العالمي، إلا أن أحداثه وحوادثه تؤكدها بدرجات متفاوتة لكن مؤثرة. وعالمنا العربي في القلب من إعادة صياغة قواعد «القطبية»، لكن هناك دولاً منها يخشاها كل الأقطاب (مصر والسعودية). «إنه عام حزين» مليء بالأحداث والتطورات كان لها تأثير كبير في حياة الناس حول العالم سلباً وإيجاباً، فتصاعدت فيه توترات القوى العظمى وتفاقمت الأزمات الاقتصادية والتضخم ورفع الفائدة، وكذلك السياسية والأمنية لا سيما في بعض الدول العربية، وما حل من ظواهر طبيعية متطرفة أدت إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة، كان لمنطقة الشرق الأوسط النصيب الأكبر منها، مثل الزلازل المدمرة في سوريا وتركيا ما أودى بحياة ما لا يقل عن 55 ألف قتيل، وكذلك المغرب وإعصار «دانيال» في ليبيا، وشهد انقلابات عسكرية عدة في إفريقيا، وانحسار قوى الغرب فيها، إضافة إلى تصاعد التوترات السياسية والصراعات المسلحة في دول أخرى، وانهيار منظومة القبة الحديدية التي كانت تتباهى بها أميركا وإسرائيل أمام كتائب الأقصى، وفشل تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، بعد تدميرها في السابع من أكتوبر «الصراع ذات الـ75 عامًا»، بحرب إسرائيلية مسعورة ردًا على العملية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية والمعروفة باسم «طوفان الأقصى»، ووسط كل تلك الكوارث والصراعات، يبدأ عام جديد حاملًا معه إرث عام مضى تحلُم البشرية والبراءة فيها آمالاً للراحة والأمان بإنهاء أزمات الشرق الأوسط وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وحل الدولتين، فلن تهنأ الأرض وتنعم إلا بذلك، لتنعم المنطقة بالسلام المنشود وتتفرغ البلدان العربية إلى التنمية المستدامة التي تتطلع إليها دول وشعوب المنطقة، ولنقُل وداعاً لعالم أحادي أو ثنائي القطب (لحين إشعار آخر)، ولنظل حائرين في سؤال واحد يُهمين على قمة أولويات البشر ومن يحتكم فيها وكيف يتعامل معها بقامة طويلة من الأسئلة الحيوية التي ستُجيبُ على كثير منها 2024 .. فعام سعيد يا رب العباد، وواقعي ولو مع هامش من الإنسانية والتعاطف للجميع للأبرياء.