عطية محمد عطية عقيلان
الاختلاف سمة بشرية طبيعة نتيجة عدة عوامل من أهمها التراكمات الثقافية نتيجة معتقدات الشخص وتعليمه، وكما يقال «لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع»، وقد نفهم اختلافنا في تقييم الأشياء من ألوان وعلامات تجارية وميول فنية أو رياضية، ونتأثر بطريقة بطيئة، نتيجة ترسخ مفاهيم أو عادات أو قيم عبر سنوات من معايشتها، ونتشبع أحيانا بآراء أحادية وأحكام مسبقة على أفعال وسلوك معين، ونستطيع أن نلتمس أو نجد المبرر لتغيير الآراء والأحكام للشخص نتيجة، سعة أفقه وتطوره المعرفي، وإدراكه واطلاعه على حقائق دامغة ورغم أن هذا الاختلاف شيء طبيعي وبشري، ورغم ذلك بعضنا لا يتقبله، ويعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة والرأي الصائب، خاصة أن اختلاف الحكم على المواقف والقرارات وتحليلها، يؤثر به المصلحة الشخصية والفائدة المادية والهوى، رغم أن منصات التواصل الاجتماعي تعج بلقطات تظهر الآراء المتناقضة لقائليها، رغم أن بعضهم من أصحاب الفكر والمشاهير والمؤثرين في متابعيهم، ولكن كما يقال «حبل الكذب قصير مهما طال الزمن»، ولنا أن نتعظ من اتباع وتصديق كل ما يصلنا من آراء وأحكام، ولا نغتر بمدى علم أو شهرة الشخص، فقد يكون الرأي منطقه المصلحة الشخصية أو كره ذاك الشخص أو تلك البلد، مع التنبه لتطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في منصات التواصل الاجتماعي، وهدفها تعميق الخلافات بين البلدان أو إشاعة الفوضى والتشكيك في بلدانهم، ونشر مقاطع وصور تساعد على ذلك، رغم أنها مفبركة ومستخدم فيها الذكاء الاصطناعي لنشرها وكأنها حقيقية، وهذا يستدعي منا أن نفعل المنطق والعقل، في الحكم عليها قبل أن نصدقها، وأضعف الإيمان ألا نساعد في إعادة نشرها.
ومهما تطورت وسائل الرقابة الإعلامية الحكومية أو على المستوى الشخصي، يوازيها التطور الهائل الذي يحدث في عالم الذكاء الاصطناعي، خاصة أن منصات التواصل الاجتماعي، تمارس الانحياز الفاضح أحيانا في استهداف أشخاص أو بلد معين، وممارستها الانتقائية في الرقابة ونشر ما يحلو للرقيب، الذي يؤثر فيه الهوى والايديولوجية التي يحملها، أو مصلحته المادية وفائدته البحتة، خاصة أن منصات التواصل الاجتماعي تعتمد في الرقابة على خوارزميات لحذف ما يتعارض مع سياستها أو ما تدعيه من حيادية، ولكن يبقى العامل البشري في الرقابة مؤثر في توجيه هذه الخوارزميات لمنع أو حجب الاخبار غير المتوافقة مع سياسة المنصة وأهدافها، لذا مهما أدعت من حيادية تبقى توجهاته مصلحتها هي المعيار المهم فيما تقدمه أو تمنعه على منصاتها، وظهر كيف كانت المعايير المزدوجة والأحكام متغيرة لما حدث من هجوم «بلا ضمير» على غزة، وتضامن بعض المنصات الإعلامية أو المثقفين أو من يدعون الإنسانية ويطالبون بالحرية وحقوق الإنسان، والتي أظهرت أنهم يقصدون إنسانيتهم أما سواهم فلا يعتد بهم.
خاتمة: الكاتب الأمريكي الساخر ماريك توين الذي توفي عام 1910م يقول «تجوب الكذبة نصف العالم، إلى أن تلبس الحقيقة أحذيتها»، فما بالنا ونحن نعيش في قرية صغيرة، وتصل المعلومات في ثوان معدودة، وتضيع الحقيقة بين المهنية ومبادئها وبين المصالح وهواها، فلنحذر بأخذ كل ما يصلنا على محمل الجد والصدق، فالذكاء الاصطناعي تفنن في تزييف وتغيير الحقائق بحرفية عالية وبطريقة محكمة.