ليلى أمين السيف
«حمى التردد آفة وتأخير
وتردد المرء عجز وتقصير»
أن يكون المرء قادراً على المفاضلة ومن ثم اتخاذ الأحسن -كما يعتقد- ليس أمرا هينا وخاصة عندما تنعدم أمامك فرص الاختيار، أو أن يكون قرارك هذا مصيريا وعليه تقوم حياتك هنا لا بد أن تعجن مخك كي لا يعلق ويصاب بالعجز فقد تندم على تقاعسك وترددك كما تعتقد أنك ستندم على فشلك في اتخاذ القرار الخاطئ.
حين نوينا الهجرة عشنا أوقاتا عصيبة كي نرسو على قرار بلد الاستقرار.
هل نعزم على ألمانيا أم هولندا.. وما هي طرق المفاضلة للاختيار..
غازلتني فكرة المعيشة في فرنسا بجوار برج إيفل ثم راودتني نفسي أن دول الشمال اسخى على العائلات وأفضل في التعليم..
شاورت عقلي فقرأت أن لوكسمبورج أفضل وأهدأ. صحيح أن هولندا أفضل في لم الشمل وشعبها ودود ولكن الحشيش يباع عيني عينك في الطرقات، فقلت عليك ببلجيكا أو ليختنشتاين ولكن أخبار المعيشة في هذه الدول ليست واضحة، وكان القرار صعبا.
كندا وبريطانيا كانتا الأفضل وقتها حسبما أرى فلن أتعب في تعلم لغة أخرى أنا وعائلتي التي ستلحق بي حتما ولكن صعوبة استخراج تأشيرة الزيارة وأدت أحلامي فغيرت بوصلة الآمال.
استهوتني إيطاليا وإسبانيا فأنا من عشاق التاريخ ويعجبني الدماء الحارة والأجواء الدافئة فقيل لي إن المعيشة هناك ليست سهلة والوضع المادي متدنٍ..
هنا ينطبق علي القول «طرار ويتشرط».
أشارت علي نفسي الأمارة بالسوء أن الدول الاسكندنافية هي الخيار الأفضل، فقد كان صيتها كنجوم تتلألأ بين باقي الدول وعزمت على المسير إليها ولكن جوها الساقع وطقسها البارد وعنجهية الدنمارك وغلاء النرويج والضرائب العالية جعلتني أتراجع.
أخيرا يممت وجهي صوب ألمانيا رغم كل ما قيل عن العنصرية والفوقية الألمانية.
وحالما حطت رحالنا في ألمانيا قيل لنا إن السويد أفضل وقوانينهم سهلة واحترام الإنسان وحقوقه يشكل نقطة لصالحهم ضد باقي دول الغرب.. وشاءت الأقدار أن تتغير خطتنا بعد أن ضاقت أفكارنا بنا وتهنا بين هناك وهنا فيممنا شطر السويد وفؤجئنا بعد حين بمن يلومنا على ذاك الاختيار قائلا ليتكم بقيتم في ألمانيا فالآن تحسن وضع المهاجرين هناك وساء وضعهم في السويد بعد أن تصدر الحزب اليميني للحكم.
فقلت لهم إن الأحزاب اليمينية موجودة في كل بلادنا العربية وأن حلم الوحدة أصبح في خبر كان بعد أن أصبحت حتى شعوبنا التي تئن من العنصرية تمارسها في ذات الوقت.
هاجرنا بعد أن ساءت أوضاع بلادنا العربية وضاقت سبل العيش بالمسلمين ولا يعلم لماذا فر بنفسه إلى بلاد المهجر الافرنجي وهل سيعود أم ستستمر الأجيال في الاستقرار في بلاد المهجر الطوعي أو القسري...
أباحثون نحن عن السعادة أم الأمان، عن الاستقرار أم العدل والضمان..
حيث لم تكن مشكلتنا كمسلمين في ديارنا تكمن في إقامة شعائر الدين أو نقص في المساجد والوعاظ والمصلحين. ولكننا كنا نبحث عن العدل والإنسانية والحرية الفكرية وحق التعبير. وإلا لما يممنا المسير نحو بلاد الفرنجة وهم على غير ديننا ولسانهم يختلف عن لساننا وعاداتهم لا تشبه عاداتنا وتقاليدهم ليس لها صلة بتقاليدنا..
قلت لنفسي سننجح أينما كنا حتى وإن كنا في الجحيم..
فلا توجد بلاد مثالية أو شعب كامل الأوصاف ولكن توجد عزيمة فلنتوكل على الله سبحانه وتعالى.. أرض بنصيبك من الحياة مع بذل جهدك للنجاح تعش أبد الدهر مسرورا.
وكي لا نحتار ونندم على أي شيء فلنجدد النية أن يكون خالصاً لوجه الله.. وكي تصفو لنا الحياة فلتكن هجرتنا إلى الله ورسوله وأن نستعين بالله أولا قبل قدراتنا واستشارة الآخرين فكل سيدلي بدلوه من منطلق تجربته هو الشخصية فإن لم يكن قد نجح في هولندا فسيراها جحيما وإن تعسرت أموره في ألمانيا فسيجعلها بؤسا وأن غيمت الأجواء في الدول الاسكندنافية فسيتجمد خوفا ويتقهقر كسلا..
ليس لنا إلا أن نتعلم من تجارب الآخرين وإن فشلوا فقد ننجح نحن وعلينا شرف بذل المحاولة ولسنا مسؤولين عن نتائجها..
المهم أن نبذل بصدق..
فالتقدير لا يكون إلا بشرف المحاولة ومقدار الجهد المبذول..
فلا يأتي أحدهم ويقول والله اللغة صعبة..
أو أن يقول إنه قد تعب من كل شيء في هذه البلاد دون بذل أي شيء.
أو يشكو من عدم حصوله على عمل وهو لم يبذل الأسباب.. وهو لا عمل له سوى ندب حظه وتذكر أيام بلاده وجمالها وشوارعها وناسها وطقسها وكل ما بها..
أو التشكي من الطقس البارد أو القوانين الظالمة..
أنت هاجرت باختيارك واخترت هذه البلاد وأنت بكامل قواك العقلية فإن فشلت بدون تعب وبذل أي سبب.. فأنت لا تصلح لأي مكان أو زمان..
«وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى»
فلا تقاس النتائج إلا بعدد المحاولات وكمية العناء التي بذلتها وتلك الدموع التي ذرفتها والآهات التي خزقت جدار صدرك ولحظات توبيخك لنفسك حين قصرت وتشجيعك لنفسك حين تأزمت ومسحك لروحك حين تكدرت..
فأجرك على قدر جهدك فنحن مطالبون بالسير لا بالوصول بالجهد لا بالنجاح.. فالسعي لا يكون إلا في طلب المعالي وليس على إدراك المرامِ..
يقول سبحانه وتعالى:
{لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}..
لك الحرية المطلقة في الاختيار وبيدنا نحن كل شيء. أما أن تختار الفراغ وحياة الدعة ولوم كل ما حولك إلا نفسك.. وأن تبقى أسيرا للمحبطين من ذاتك نفسها أو ممن حولك متنقلا بين ما يقول هذا وما يمليه عليك ذاك.. وإما أن تعانق أحلامك وتبذل لها المستحيل..
الجريمة التي نتخذها بحق أنفسنا هي الدعة والضعضعة..
وأن نستلذ العيش الهين والحياة السهلة والقاء اللوم هنا وهناك وعلى هذا وذاك بينما ديننا يحثنا على كل ما هو مدعاة للنجاح والسعي..
- تفاءلوا بالخير تجدوه..
- لا عدوة ولا طيره ويعجبني الفال الصالح..
- لا تتمارضوا فتمرضوا فتموتوا..
- من توكل على الله فهو حسبه..
- أنا عند ظن عبدي بي..
- النوايا مطايا..
وهل أجمل من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:
(إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا)
نحتاج أن نعود لقرآننا ونفهم ديننا ونعي كنه حياتنا كي يطيب لنا المقام وتهنأ حياتنا فمن تمام حسن الظن بالله الرضا وإدارك كل النعم المحيطة بنا من صحة وأهل جيران وعمل وبلاد وأجواء وكذلك المقدرة على الفهم والتعلم والإنجاز وأمور كثيرة لا يتفكر المرء بها ويعيها... حتى في المصائب فقد يكون الموت أفضل لمريض أنهكه المرض وقد يصبح الطلاق أشرف من علاقة مريضة مع شريك بائس وتصبح الوحدة خير أنيس للبعض بينما الحياة الاجتماعية مطلب أساسي لغيرك.. نحتاج فقط أن نتفكر وننظر حولنا فقد تكون حياتنا التي نراها بائسة مطلبا صعب المنال لغيرنا وما نراه جميلا وحلما نتوق لتحقيقه لدى غيرنا قد يكون فيه أذى كبير لنا لو تحقق..
أخيرا
ما خيّبَ اللهُ ظنًا منْ خليقَتِهِ
ألطافُ ربِّك في أقْدارِهِ تَجْري
يا قَلْبُ صبرًا وتسْليمًا على ثِقةٍ
لعلّ في الغَيْبِ أفْراحًا ولا ندري