د. محمد بن أحمد غروي

امتلأت الساحة السياسية بأحداث مفصلية في تاريخ دول آسيان، فمن القادة الجدد إلى أزمة ميانمار، وقيادة إندونيسيا للرابطة في قمة الرياض التي جمعت بين آسيان ودول الخليج العربي.

وقد غيّر الرئيس الفلبيني ملامح مسار مانيلا لعلاقات أكثر تقاربًا من سابقيه مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا التي طور معها اتفاقيات التعاون الدفاعية والتقارب مع اليابان الذي منح مؤشرًا لما ستؤول إليه أوضاع منطقة الأرخبيل مستقبلًا، خاصة ما يرتبط بنزاع بحر الصين الجنوبي، والجزر المتنازع عليها مع الصين.

وشهدت تايلاند انتخابات جديدة قبل أشهر، وأسفرت عن دخولها لما يزيد عن ثلاثة أشهر في اضطرابات سياسية بشأن منصب رئيس الوزراء للبلاد، وذلك بعد فوز حزب التقدم للأمام، لينتظر البرلمان حتى 22 أغسطس لاختيار رئيس الحكومة، ثم يقع الاختيار البرلماني على رئيس الوزراء الحالي سيريتا تافيسين. الجارة، مملكة ماليزيا، أجرت انتخاباتها العامة الخامسة عشرة قبل نهاية العام الماضي بعد فترة مضطربة شهدت تغيير رئيس الوزراء لثلاث مرات في سابقة تاريخية، لتدخل البلاد في اضطرابات سياسية، كما أن العام الحالي يُعد حقيقة بداية حكم رئيس الوزراء أنور إبراهيم، وهو تتويج لفترة انتظار قضاها في صفوف المعارضة، لكن قيادته واجهت في الأشهر الماضية تحديات في الداخل، أبرزها الملف الاقتصادي، خاصة مع انخفاض قيمة العملة الماليزية الرنجت إلى مستويات تاريخية، كما ظهر في بداية حكمه شبح التطرف من بعض الأحزاب ذات التوجهات الدينية، والتي يمكنها أن تمثل معضلة كبرى لحكومته على المدى الطويل، مما دعاه إلى تعديلات وزارية قبل أيام لتنفيذ خطته الإصلاحية.

باشر مانيت عمله رئيسًا للوزراء في مملكة كمبوديا في أغسطس الماضي، متعهدًا خلال خطابه الأول بالعمل على تحويل كمبوديا إلى بلد ذات دخل اقتصادي عالٍ بحلول عام 2050، وتسريع التنمية الوطنية، فالحاكم الجديد يُصَف بأنه الأكثر انفتاحًا على الغرب من سابقه؛ نظرًا لدراسته فيها، كما لم يبتعد عن دائرة الحكم رئيس الوزراء السابق، هون سين والد رئيس الوزراء الحالي، إذ تقلد منصب رئيس حزب الشعب الكمبودي الحاكم، وبالتالي ستكون له بصمة في السياستين الداخلية والخارجية.

للعام الثاني على التوالي، لا تزال أزمة ميانمار (بورما) وانقلابها دون حل، ومعضلة آسيان الحالية، خاصة مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية فيها، فقد انقض الجيش السلطة في فبراير 2021، وما تزال نايبيداو ميانمار تعيش عزلة دولية، مع عدم التزامها بتطبيق ما جاء في اجتماع رابطة آسيان بالعام نفسه فيما يُعرَف باتفاقية البنود الخمسة، كما أن ملف اللاجئين الفارين من النزاعات المسلحة في البلاد سبب أزمة بالتزامن مع فرار الآلاف من الروهينجا للدول المجاورة.

إندونيسيا بدورها تزعمت رئاسة رابطة آسيان، وعملت خلال فترة رئاستها على القيام بدور الوسيط في نزاع بحر الصين الجنوبي، الذي يضم أطرافًا من دول آسيان إلى جانب الصين، والتي صاغت مدونة قواعد السلوك لبحر الصين الجنوبي، لتعلن وزارة الخارجية الإندونيسية عن اتفاق رابطة آسيان والصين على مبادئ استرشادية لتسريع المفاوضات بشأن مدونة قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي.

هناك شبه إجماع على ضبابية في أفق حلول أزمة بحر الصين الجنوبي نتيجة للتوترات المتصاعدة مؤخرًا، لكني متفائل بالجهد الإندونيسي الذي يشكل نقطة انطلاق يمكن الاستكمال بناءًا عليها في السنوات المقبلة؛ لتحقيق حل سلمي بعيدًا عن أي صراع عسكري قد يُدخِل المنطقة في أزمات كبيرة هي في غنى عنها.

انتهى عام 2023 بتقارب آسياني خليجي أرست دعائمه قمة الرياض، التي عُقِدَت للمرة الأولى، وأسست مرحلة جديدة من العلاقات بين الإقليمين، بحضور كافة زعماء دول رابطة آسيان، باستثناء السلطة العسكرية في ميانمار، إلى جانب العضو الحادي عشر المنتظر، تيمور الشرقية، فالقمة التاريخية خرجت بـ42 بندًا هدفها الأساسي تعزيز التعاون بينهما، في مجالات عدة أبرزها الاقتصاد والاستثمار والسياحة والثقافة والبيئة والتكنولوجيا والأمن متضمنة خطة عمل بين التكتلين للفترة 2024-2028، متفقين على عقد قمة كل عامين.