علي الخزيم
كانت دعوة لمناسبة أُسرية اختير لها مُخيَّم شتوي، ومع توافد الأسر كانت التَّقديمات من أصناف الحُلويات والمُعجَّنات تتوالى للضيوف بمجلس الرجال طَبَقاً يتلو طَبَق! ما الأمر؟! تصدى أحد الحضور للإجابة وتفسير ما يحدث؛ فأكد أنها عادة عند النسوة فلا تأتي إحداهن لمثل هذه المناسبة ويدها خالية، هذا جيد ولكن؟!
توالت تفسيرات بعض الحضور المُراقب لاجتهادات النسوة بهذا الجانب بأن كثيراً من أطباقهن تتشابه؛ بل ربما أن أصحاب الدعوة قد أعدوا مثلها مُسبقاً، فتكون النتيجة تراكم الأطباق من الأطعمة المتشابهة، وهي بكل الأحوال زائدة عن حاجة الحضور، وستكون عُرضة لعبث الأيدي التي تتناوشها للتذوق؛ فلا يمكن للمرء أن يأكل من كل الأطباق لا سيما أنه سيكون قبل نهاية السهرة أمام العَشَاء الرئيس الذي سيكفي لإضعاف المدعوين، إذن ما مصير كل هذه الأطعمة والأطباق المنوعة؟
أجاب من يزعم بأنه خبير مُطّلع على بواطن مثل تلك الحالات بأن النسوة الحضور قُبَيل نهاية مراسم المناسبة يطلبن من الأخريات حمل شيء من تلك الأطباق أو جزء منها لمنازلهن لتناوله لاحقاً أو لتقديمه لمن يحتاجه بالحي، وأضاف: أن بعضهن تخجل من إعادة أطباقها سليمة معافاة حتى أن غطاءها لم يكشف خشية أن تُتَّهم بأنها لا تجيد الطبخ أو أنها مِمَّن لا يُبالين بأصول النظافة فتتحاشى الحاضرات تذوق طعامها، بالتأكيد هذا تخريج بعيد عن المنطق، غير أن بعضهن شديدة التَّوجس من نوايا الأخريات فتُبالغ بالتفسيرات، والمؤكد أن المُبالغ به هو كميَّات الطعام لا غير.
يقول أحدهم إنهم بمناسباتهم يأنفون من تقديم ما يجعلهم عُرضة للاتهام بعدم الكرم وتقدير الضيوف، ولهذا تزيد الأطعمة عن الحاجة فيتم التواصل مع الجمعيات الخيرية لتتولى توزيعها على المحتاجين لها، أو أنها تُعطَى لمن يريدها من عمال حراسات المخيمات والعاملين على وسائل ترفيه الأطفال قرب المخيمات من أصحاب الدراجات النارية والخيول ونحوها، ولكن يرى آخرون بأن هذا تبرير غير عقلاني؛ إذ إن المدعوين يُدركون أبعاد هذه المسألة وهم يتعرضون للمواقف ذاتها ولديهم التساؤل ذاته، فالعِلَّة بفهمنا لمعاني الكرم وتقدير الضيوف؛ ليس إلَّا.
وأردف الخبير آنف الذكر: بأن اتفاقات تتم أعقاب اجتماعات أسرية نسوية حضورية أو عبر وسائل التواصل بألا تُحضِر أي منهن خلال الدعوات والمناسبات أي طعام إضافي لم يُتفق عليه مسبقاً، كأن تطلب صاحبة الدعوة مساعدة أخرى لها بإعداد نوع من السلطات ونحوها، غير أن مثل هذه الاتفاقات تذهب كالهباء المنثور بعد آخر مكالمة أو بعد تفرق جمعهن المبارك، ذلكم أن كلاً منهن تَرَسَّخ بذهنها أن ثمَّة من يتربص بها من النسوة لانتقادها بالتقصير وعدم التعاون، فالقياس هنا كالعدوى من نقد وتعريض بعضهن بأخريات بشأن التسريحات وموديلات الفساتين وألوانها.
أقول: الكرم الحقيقي هو ما عَبَّر عنه كَرِيم عربي قيل إنه حاتَم طَي:
(أُضاحِكُ ضَيفي قَبلَ إِنزالِ رَحلهُ
وَيُخصِبُ عِندِي وَالزَمانُ جَديبُ
وَما الخِصبُ لِلأَضيافِ أَن تُكثِرَ القِرى
وَلَكِنَّما وَجهُ الكَريمِ خَصيبُ)
- القِرَى: الطعام وحسن الضيافة