حسن اليمني
تلاشت وانكمشت غايات وأهداف الكيان الإسرائيلي في غزة حتى أصبحت هلامية غير واضحة أو يمكن رسمها وتحديدها، ويكاد وصف «العبثية» لحرب الكيان في غزة اليوم باعتباره وصفا مستحقا وربما يبدأ في الظهور على السطح في وقت قريب ليجعل الدول الداعمة تسارع للتخلص من موقف الداعم إلى الوسيط أو المحايد فتزيد الكيان في ورطته وتخبطه.
بوادر هذا تظهر في الموقف الأمريكي الذي هبط من رغائه وفحيحه بداية الحرب ووصل اليوم إلى حيث الكيان الإسرائيلي على التفكير في حرب الاغتيالات والدسائس التي يجيدها الكيان كخيار بديل عن حرب مواجهة تنزف خسائر متصاعدة يوما عن يوم، الكيان تلقى هذا الخيار باهتمام وتفكير جدي بدأ يظهر على لسان كثير من مسئوليه، وظهرت مطالبته بهدنة جديدة لكسب وقت لترتيب الخروج من الحرب باهظة التكاليف إلى حرب عصابات الاستخبارات والمؤامرات التي يجيدها الكيان للوصول إلى اغتيال قادة من حماس يعطي في النهاية ثماراً يمكن أن تحفظ ماء الوجه ونصر يحل محل الهزيمة والفشل في هذه الحرب التي شهدت بوضوح تام غير قابل للتشكيك بخسائر في جانب الكيان أكبر، انظر إلى الموقف البريطاني والفرنسي والكندي وغيره الذي تحول من لا وقف لإطلاق النار قبل القضاء التام على حماس إلى ضرورة وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات لحل نهائي لقضية فلسطين، حتى الولايات المتحدة الأمريكية أخذت تتجه نحو هذا المسار تمهيداً لتغيير الموقف مع حث الكيان كما ذكرت آنفا لبحث خيار الاغتيالات والعمل السري بدل المواجهة العسكرية التي ثبت فشلها.
في المقابل أعلنت حماس أن لا هدنة جديدة ولا تبادل أسرى إلا من خلال وقف نهائي لإطلاق النار وتبييض السجون الإسرائيلية وخروج كامل القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، إن تحقق ذلك وهو سيتحقق بناء على معطيات واقع الحال.
الصعوبة الخفية التي تخلق حالة التراوح والتردد في موقف الكيان من الاستسلام والإقرار بالهزيمة عبر تحقيق هدف وغاية عملية فجر السابع من أكتوبر هو الانعكاس الذي سيحدث داخل الكيان الإسرائيلي فور إعلان الاتفاق بل إنه ظهر في تناقض وتضاد ساسة الكيان حول ما يجري وما يجب وكذلك في اعتصام ذوي الأسرى والقتلى أمام مقار وزارة الحرب وسكن رئيس حكومة الكيان وتصاعده أكثر فأكثر ولا بديل عن انفجاره في الشارع سوى تحويله الى داخل المؤسسات الحاكمة يمين ويسار ليخلق حالة انشقاق مدمرة تحقق الغاية والهدف الثاني من عملية السابع من أكتوبر التي مفادها أن ما بعده ليس مثل ما قبله، وبالمختصر المفيد الكيان الإسرائيلي مجبر ومضطر لقبول الهزيمة في غزة وتحمل نتائجها في الداخل ولا سبيل للخروج من ذلك الا بالخروج مما قبل السابع من أكتوبر إلى ما بعده.
لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية أن الكيان الإسرائيلي كيان هش لا يمكن له منفردا مواجهة المقاومة الفلسطينية مهما امتلك من تسليح وآلات قتل وتدمير ما لم تتدخل القوى الغربية في إمداده وإسناده وحمايته والدفاع عنه، وحتى هذا الدعم والإسناد الغربي لم يفلح في نصرة الكيان وان حماها من الهزيمة الفاضحة، وحلم القضاء على المقاومة وصناعة سلطة فلسطينية جديدة حسب المواصفات والمقاييس الإسرائيلية ظهر أنه وهم وخيال، وبالتالي فلا سبيل لتهدئة الوضع إلا في حلول سياسية تمنح إسرائيل مزيداً من الحياة المؤقتة في فلسطين.
من يفهم الصورة بهذا المسار سيدرك أن القضية الفلسطينية مستمرة باقية حتى التحرير التام والكامل، ومن يصل الى هذا الفهم سيدرك أنه صراع أديان وحضارات وبذات الوقت سيفهم أن الحشود المطالبة بوقف القهر الإسرائيلي في فلسطين من قبل شعوب أوروبية وأمريكية مناقضة لمواقف ساستها إنما تعني مطالبات بإعادة ترتيب أدبيات صراع الحضارات بنظم وقوانين إنسانية تناسب وعي المجتمع الإنساني الذي بناه التواصل الفكري والثقافي من خلال أدوات التقنية والاتصال، ومن يفهم بهذا الشكل سيدرك أن النظام العالمي المبني على المال والتحرر من القيم والفطرة الإنسانية ينهار بشكل سريع وأن قوة جديدة تتشكل، هذه القوة ليست دولة أو دول بل قواعد ونظم وقوانين عصر جديد قادم.